كلنا يتذكر ما أثير حول ضياع أموال التأمينات الاجتماعية بسبب تدخل وزير المالية الأسبق د. يوسف بطرس غالي بقرارات تتعلق باستخدام تلك الأموال، وهو ما أدى إلى استياء مجتمعي واسع، وتساؤلات وشكوك حول التداخل بين أموال صناديق التأمينات الاجتماعية وأموال الخزانة العامة للدولة.
أذكر بذلك بمناسبة صدور قرار رئيس مجلس الوزراء بتشكيل مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل، وهي الهيئة المسئولة عن تمويل نظام التأمين الصحي وإدارة امواله، حيث صدر قرار رئيس مجلس الوزراء متضمنا تعيين السيد الدكتور وزير المالية رئيسا لمجلس إدارة الهيئة، والسيد الدكتور نائب وزير المالية للخزانة العامة نائبا لرئيس مجلس إدارة الهيئة.
بداية فإنه لا مجال للشك في كفاءة وزير المالية ونوابه، وخبراتهم في التعامل مع ملف التأمين الصحي، وقدراتهم على تولي مسئولية وزارة المالية في فترة حرجة، وإنجازاتهم الإصلاحية في وقت قصير، إلا أن ذلك لا يمنع من ضرورة الفصل التام بين وزارة المالية، والهيئة العامة للتامين الصحي الشامل.
ينص القانون على تشكيل مجلس إدارة الهيئة من خمسة عشر عضوا، من بينهم رئيس المجلس ونائبه، ويصدر رئيس مجلس الوزراء قرار التعيين، ويتضمن القرار تحديد المعاملة المالية لرئيس المجلس ونائبه، ومكافآت وبدلات باقي أعضاء المجلس.
ورغم أن القانون لم ينص صراحة على عدم جواز تعيين وزير المالية أو نائبه رئيسا ونائبا لمجلس إدارة الهيئة، إلا أن المتعمق في نصوص القانون، يجد الإرادة الضمنية للمشرع واضحة في ضرورة الفصل بين وزارة المالية ومجلس إدارة الهيئة المسئولة عن تمويل النظام واستثمار امواله.
يلزم القانون رئيس مجلس إدارة الهيئة، بأن يقوم بإبلاغ قرارات مجلس الإدارة إلى الوزير المختص بالمالية، والوزير المختص بالصحة، وهي إرادة ضمنية للمشرع في الفصل بين وزارة المالية والهيئة، والتعبير الضمني واضح في عدم جواز أن يكون وزير المالية رئيسا لمجلس إدارة الهيئة.
لم يلزم القانون رئيس مجلس الوزراء بأخذ رأي وزير المالية لترشيح من يراه لعضوية مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل (هيئة التمويل في المنظومة)، في حين ألزم ترشيح الوزير المختص بالصحة لأعضاء مجلس إدارة الهيئة العامة للرعاية الصحية (هيئة تقديم الخدمة في المنظومة)، وهو ما يعتبر تأكيدا لإرادة المشرع في الفصل بين وزارة المالية والهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل، والاكتفاء بأن يكون رئيس قطاع الموازنة هو ممثل الوزارة في مجلس الإدارة.
إن تمثيل وزارة المالية بوزير المالية رئيسا، ونائب وزير المالية لشئون الخزانة العامة نائبا للرئيس، بالإضافة إلى رئيس قطاع الموازنة العامة للدولة، سيؤدي بلا شك إلى تداخل الاختصاصات، وطرح التساؤلات والشكوك حول إمكانية إصدار قرارات من شانها التأثير بالسلب على استخدام أموال الهيئة، لصالح الخزانة العامة للدولة، مما يعيد إلى الأذهان اللغط الذي أثير حول استخدام وزير المالية الأسبق لأموال التأمينات الاجتماعية لصالح الموازنة العامة، وهو ما لا نتمناه.
جدير بالذكر أن نائب الوزير لشئون الخزانة، يشغل أيضا منصب رئيس لجنة وضع معايير غير القادرين في تطبيق أحكام قانون التأمين الصحي الشامل، وهو أمر يؤدي إلى تداخل الاختصاصات وقد يؤثر بالسلب على سرعة تحقيق حلم المصريين بتطبيق القانون في أسرع وقت ليغطي كافة المصريين في كافة أنحاء الجمهورية.
لم يتضمن قرار رئيس مجلس اوزراء، تسمية نائب رئيس مجلس الدولة الذي يختاره رئيس مجلس الدولة، كما لم يتضمن تحديد المعاملة المالية لرئيس المجلس ونائبه، ومكافآت وبدلات باقي أعضاء المجلس، خلافا لما نص عليه القانون.
أما بخصوص اختيار ممثل مقدمي الخدمة بالقطاع الخاص في مجلس إدارة الهيئة، فقد جاء الاختيار مهمشا لدور غرفة مقدمي الخدمات الصحية التابعة لاتحاد الصناعات المصرية، وهي مؤسسة من مؤسسات الدولة، ومستلبا حقها في ترشيح من تراه، رغم أن اللائحة التنفيذية للقانون، قد أقرت للغرفة حقا في ترشيح من تراه عضوا في اللجنة الدائمة للتسعير وفقا للقانون.
لقد كان للغرفة جهد واضح بالمشاركة الفعالة في إبداء ملاحظات جوهرية حول مشروع القانون في مراحله المختلفة، وهو دور نابع من حس وطني بضرورة تضافر الجهود، وهو ما أدى إلى أن يظهر القانون للنور بعد سنوات عديدة من الجهد والبحث والتدقيق، نتاجا لعمل مشترك بين القطاعات المختلفة، وتحتاج الفترة القادمة لجهد مضاعف، لسرعة تطبيق مراحل القانون، لتحقيق حلم المصريين في تغطية صحية شاملة.
د. أحمد نزيه أبوراس
عضو مجلس إدارة غرفة مقدمي الخدمات الصحية
عضو مجلس إدارة نقابة الأطباء بالاسكندرية ورئيس اللجنة القانونية
سكرتير عام لجنة الصحة بالغرفة التجارية بالاسكندرية
عضو لجنة الصحة بجمعية رجال أعمال الاسكندرية