أفضل ما تستطيع المؤسسات فعله هو تحليل واقعهم وتحديد نقاط قوتهم ونقاط ضعفهم وكذلك تحديد أفضل الحلول لتخطى ايه إخفاقات. فقلما نجد مؤسسة تعاني من مشكلة متجزرة، إلا وتجد سيل من الأفكار الإبداعية يتدفق كلما أستثرت عقول أهل تلك المؤسسة بعصف ذهنى صغير.
إذا أين المشكلة!!! لماذا لا يتم التغيير عندما يتوافر فهم المشكلة وطرق الحل والكفاءة القادرة على تنفيذه؟؟؟ وخاصة إذا أضفنا إلى كل تلك الممكنات قوة الإرادة فماذا تبقى لجعل ما سبق معادلة سحرية للتغيير الفعال داخل أى مؤسسة.
الحقيقة لفك شفرة ذلك اللغز لا يمكن ان نكتفى بخبراء الإدارة و يجب أن نستعين بالمتخصصين فى علم النفس المؤسسي القادرين على تحليل سلوك أهل تلك المؤسسة والوصول إلى المسبب لهذا السلوك الغير مبرر.
وفى احدى المحاولات لفك تلك المعضلة قام فريق من المتخصصين فى هذا المجال بتجربه عمليه على ٥ قرده تم وضعهم داخل قفص, وتم وضع سلم داخل القفص ثم بدائوا فى إنزال بعض من ثمرات الموز من أعلى القفص، وكلما حاول أحد القردة صعود السلم قاموا بمعاقبة كافة القردة برشهم بمياه مثلجه ليكفوا عن صعود السلم؛ حتى وصل الأمر بالمتخصصين أنهم تركوا الموز بشكل مستمر ولم يتجراء أى من القرده على صعود السلم مجددا. وعندما استبدلوا واحد من القردة بقرد جديد وبداء فى محاولة اعتلاء السلم، هاجم القردة العضو الجديد بشراسة (بالرغم من انهم لم يتعرضوا لأى نوع من العقاب هذه المره) حتى أقلع هو أيضا عن تلك الفكرة وفقد الأمل فى محاولة الحصول على الموز المعلق داخل القفص. والمثير للدهشة ان الخبراء استكملوا تغيير القردة القدامى بقردة جدد واحد يلو الآخر، فوجدوا أن القردة الجدد الذين لم يتعرضوا قط للعقاب الجماعي والرش بالماء المثلج كانوا يهاجموا بنفس الشراسة اى عضو جديد يحاول اختراق هذا المعتقد الثابت والمتفق عليه. تم الانتهاء من تغيرهم جميعا، إلى أن أصبح داخل القفص ٥ من القردة الجدد الذين لم يتعرضوا قط لاى عقاب جماعي، ولكن ظل هذا المعتقد الذى يسيطر على سلوكهم ويمنعهم من التفكير فى تلك الفرصة التى تحلق فوق رؤسهم. حتى عندما ذادوا عدد الثمرات او عندما أصبحت ثمرات الموز فوق رؤسهم تماما لم تستفزهم سهوله تلك الفرصة إلى رفع رؤسهم لإغتنامها.
وهذا ما ذكره لنا الله سبحانه وتعالى فى الكثير من الأيات لتوضيح مرجعيه هذا الموقف وعلى سبيل المثال لا الحصر:
يقول تعالى {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون } (الأعراف:28).
ويقول {قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون} (الشعراء:74).
ويقول تعالى {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون} (البقرة:170).
ويقول { قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين } (يونس:78).
ويقول في موضع آخر {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون} (المائدة:104).
كما قال تعالى {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير} (لقمان:21).
قد تختلف الآيات ولكن تبقى الحقيقة واحدة: فالتحرر الفكري هو أكبر تحدى يواجه ايه مؤسسة أو مجتمع. فالرضوخ للمألوف والتبعية العمياء للسائد هى آفه تمنعنا من التعامل مع المتغيرات التى تحدث من حولنا وتفصلنا عن الواقع. وللهروب من السقوط في هاوية الأعتياد، يجب أن نحافظ دائما على فضيلة الفضول التى تملاء اعيننا وفضيلة الشغف الذى تملاء قلوبنا.
فكم من القرارات التى أمنت بأهميتها والحماقات المؤسسية والمجتمعية التى لفظتها ولكنك آسرت الخضوع للثقافة السائدة فى سبيل الحفاظ على تقبل الآخرين لك.
فالفساد الفكري لايقل ضرره على أي مؤسسة أومجتمع عن الضرر الذي يحدثه الفساد المالي او الإدارى أو حتى الفساد الأخلاقي. فاحزر اى فساد فكرى يمنعك من إعتلاء سلم طموحك والوصول لهدفك.
#نفسانى_المؤسسة
#The_organizational_psychologist