حين لم تكن هناك أقمار صناعية تستطيع اكتشاف الأماكن النائية وغير المعلومة أو المدونة، بل كانت هناك العديد من الأماكن على كوكب الأرض التي لم يصل إليها البشر بعد، وكذلك لم يكن هناك وسائل اتصالات حديثة ونقل للمعلومات.
حينذاك .. خرج الرحالة .. حيث كان عليهم السفر والترحال بين الأقطار المختلفة للتعرف على الأماكن الجديدة وما بها من بشر وحجر وعادات .. والتدوين عنها لنقل ما شاهدوه.
هؤلاء الرحالة هم خليط مابين علماء الأنثروبولوجيا والجغرافيين في زمننا هذا .. بل لازلنا نتعلم أو نبني علومنا الحديثة على قبس مما تركوه.
اليوم نتناول أشهر رحالة عرب .. أسهموا في اكتشاف العالم الذي نعرفه الان:
– ابن بطوطة (1304 م-1377م)
يغلب على الظن أنه لا يوجد بيننا من لم يسمع عن رحلات (ابن بطوطة)، فأدب الرحلات والرحالة العرب مرتبطين في أذهان الكثيرين بابن بطوطة مباشرة، وبالطبع لا نستطيع الحديث عن الرحالة العرب بدون البدء به.
هو محمد محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي المعروف بابن بَـطُّوطَة، وهو ليس رحالة فقط بل كذلك مؤرخ وقاض وفقيه مغربي، بدأ رحلته الكبرى عام 725م ليطوف بالمغرب ومصر والسودان والشام والحجاز وتهامة والعراق وفارس واليمن وعمان والبحرين وتركستان وما وراء النهر، والهند والصين وجاوة وبلاد التتار وأواسط أفريقيا.
ثم عاد ابن إلى المغرب وبدأ في إملاء أخبار رحلاته التي جمعها في كتاب اسمه “تحفة النظار في غرائب الأمصار، وعجائب الأسفار” وهذا الكتاب تُرجم لأغلب لغات العالم وجامعة كامبريدج لقبت “ابن بطوطة” في كتبها “بأمير الرحالة المسلمين والوطنين”
– الإدريسي (1099م-1160م)
هو أبو عبد الله محمد بن محمد الإدريسي الهاشمي القرشي، من مواليد مدينة (سبته) في المغرب، أحد كبار العلماء المسلمين وكعادتهم في هذا الوقت كان متعدد الاهتمامات والإنجازات فهو من مؤسسي علم الجغرافيا، وكتب كذلك في الأدب والشعر والنبات ودرس الطب والفلسفة والفلك، واستطاع رسم خرائط للأنهار والبحيرات والمرتفعات، وهذه الخرائط تم الاعتماد عليها في كشوف عصر النهضة الأوربي بعد ذلك.
ويعتبر الإدريسي أحد كبار الجغرافيين في التاريخ الإنساني، كما كان له اهتمام بالتاريخ، والأدب، وعلم النبات، والطب، والفلك، زار الحجاز وتهامة ومصر، ووصل سواحل فرنسا وإنجلترا، وسافر إلى القسطنطينية وآسيا الصغرى. ثم عاش فترة في صقلية ونزل فيها ضيفًا على ملكها روجر الثاني.
وقد أمر الملك الصقلي روجر الثاني له بالمال لينقش عمله (خارطة العالم) والمعروف باسم “لوح الترسيم” على دائرة من الفضة.
حدد الإدريسي مصدر نهر النيل، ففي موقع معين على الخريطة،وضع نقطة تقاطع نهر النيل تحت خط الإستواء، وهذا هو موقعه الصحيح، وذكر أنه قبل دخول مصر تلتقي روافد نهر النيل في الخرطوم عاصمة السودان، ويتشكَّل نهر النيل من نهرين هما النيل الأبيض والنيل الأزرق، ويجري هذان النهران عبر أراضي السودان ويلتقيان في الخرطوم التي تقع تحت خط الإستواء. تحديد الإدريسي لموقع نهر النيل يُلغي نظرية بطليموس أن مصدر نهر النيل هو تلة في القمر.
– ابن جبير الاندلسي (1145م-1217م)
هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير الكناني المعروف باسم ابن جبير الأندلسي، ولد في بلنسية سنة 540 هـ، 1145م، هو جغرافي، ورحالة، وكاتب وشاعر.
وكان الأمير أبا سعيد استدعاه يوما ليكتب عنه كتابا وهو يشرب الخمر، فأرغم ابن جبير على شرب سبعة كئوس من الخمر وأعطاه سبعة اقداح دنانير، لذلك صمم ابن جبير على القيام برحلة الحج بتلك الدنانير تكفيرا عن خطيئته، واقام في سفره سنتين ودون مشاهداته وملاحظاته في يوميات عرفت برحلة ابن جبير، وسميت باسم (تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار) وكتبه حوالي سنة 582 هـ/ 1186م، وتداوله الشرق والغرب حتى قام المؤرخ والمترجم الانجليزى (ويليام رايت) بنشره وطبعه في كتاب جمع عدد كبير من الرحلات لرحالة وحجاج عرب وأجانب مسلمين ومسيحيين ويهود عُرف باسم (Early travelers in Palestine).
ومن المشهور أنه قام بثلاث رحلات شاهد فيهم العالم ثم استقر في الإسكندرية حتى توفي ولكن لم يدون من رحلاته هذه سوي الرحلة الأولى.
– أحمد بن فضلان (877 – 960م)
هو أحمد بن العباس بن راشد بن حماد البغدادي، هو عالم ورحالة مسلم عاش في القرن العاشر الميلادي في أوج مجد الدولة العباسية في بغداد، وكتب عن مكان غريب على الثقافة الإسلامية وهو (روسيا) وما كتبه هو الوصف الأول لهذا المكان، فملك الصقالبة قد بعث للخليفة يطلب منه إرسال بعثة تعرفه على الحضارة الإسلامية التي غزت العالم، لذلك أرسل رحلة على رأسها العالم ابن فضلان.
كان وصفه لأقاليم الصقالبة بالفولجا مختلف عن سائر الكتاب والرحالة في عصره، فهو لم يصف المكان فقط في سرد طويل، بل عالج كل ما رآه من عادات ومكانة المرأة في المجتمع الروسي القديم وطرق العيش، كيفية دفن الموتى، ليجعل مما كتبه مرجع شامل يتم الاعتماد عليه إلى الآن.
ويعتبر وصف ابن فضلان أقدم وصف أجنبي لروسيا، وكتبه في عام 922م، ووصل ابن فضلان إلى بلاد البلغار يوم 12 مايو 922 (12 محرم 310 هـ)، وقد اتخذت تتارستان المعاصرة من تلك المناسبةً يوم عطلة دينية حى اليوم.
كانت رحلة ابن فضلان أساساً لرواية مايكل كريتشتون (أكلة الموتى) والتي صورت كفيلم روائي باسم (المقاتل الثالث عشر) حيث قام أنتونيو بانديراس بدور بن فضلان، كما صدر كتاب (مغامرات سفير عربي) لأحمد عبد السلام البقالي، وهي عبارة عن جمع لروايتين للرحلة أحدهما غربي والآخر عربي، كما تم عمل مسلسل تلفزيوني عنه بعنوان (سقف العالم) عرض في 2005.
– أحمد ابن ماجد (1418-1500م)
هو أحمد بن ماجد بن محمد، ملاح وجغرافي عُماني، بارع في الفلك والملاحة والجغرافيا واسماه البرتغاليون (أمير البحار)، وله العديد من الكتب والمراجع الملاحية والتي تستخدم حتى الآن، وكان خبيرا ملاحياً في البحر الأحمر، وخليج بربرا، والمحيط الهندي وبحر الصين.
ويتمتع أبن ماجد بأشهر اسم في تاريخ الملاحه البحرية لارتباط اسمه بالرحلة الشهيرة حول رأس الرجاء الصالح إلى الهند حيث قام ابن ماجد بمساعدة (فاسكو دي جاما) لاكتشاف هذا الطريق.
ولأبن ماجد الفضل في ارساء قواعد الملاحه للعالم، وفقد بقيت آراؤه وأفكاره في مجال الملاحه سائده في كل من البحر الأحمر والخليج العربي وبحر الصين حتى وقت قريب، وهو أول من كتب في موضوع المرشدات البحرية الحديثة.
ألف المستشرق الروسي (ثيودور شوموفسكي) الذي عثر على مخطوطة لأبن ماجد على شكل مخطوطة في مكتبة أسطنبول وأيضآ عثر على ثلاث مخطوطات أخرى في مكتبة ليننجراد، كتاب أسماهـ (ثلاث أزهار في معرفة البحار لأحمد أبن ماجد: ملاح فاسكو دي جاما).
– الحسن الوزان (ليون الأفريقي) 1494-1554
هو الحسن بن محمد الوزان، والمشهور بـ(ليون الأفريقي) أو (يوحنا ليون الأفريقي). اشتهر بتأليفه الجغرافي في عصر النهضة، ومن أشهر مؤلفاته كتاب (وصف أفريقيا).
يرجح البعض أنه ينتسب إلى قبيلة زناتة الأمازيغية، وعاشت أسرته حقبا من الزمن في الأندلس، وولد هو بمدينة غرناطة قبيل سقوطها في يد الأسبانيين. انتقل للمغرب للعيش بفاس وأصبح سفيراً لسلطانها (محمد البرتقالي) في سفارة مر بها على (تمبكتو) وممالك أفريقية أخرى، وقد زار كذلك مصر وإسطنبول في رحلاته كما حج أثناء إقامته في غرب آسيا، ثم سقط في الأسر خلال توقف سفينته في جزيرة (جربة) واقتيد إلى روما كهدية للبابا (ليون العاشر) الذي أجبره على اعتناق المسيحية، والبقاء لتدريس العربية في روما، التي كتب فيها مجموعة كتب في اللغة والأدب والجغرافيا أشهرها كتاب (وصف أفريقيا) الذي ترجم للعربية ونشر في عام 1399 هـ / 1979م على يد د. عبد الرحمن حميدة.
لم يعلم هل مات في روما أم لا وإن كان الغالب أنه عاد لتونس ليعيش في بلاد الإسلام دون أن يشتهر في الجانب الإسلامي كشهرته في الغرب.
وعرضت قناة بي بي سي، في يونيو 2011، فيلما وثائقيا بعنوان (ليون الأفريقي، رجل بين عوالم)، عرض لحياته منذ طفولته في غرناطة حتى وصوله إلى روما أسيرا مرورا بحياته في فاس ورحلته إلى تمبوكتو واختطافه في البحر المتوسط..
الفيلم كان من إعداد وتقديم بدر الدين الصائغ وإخراج جيريمي جيفس وقد أدى الفنان جهاد الأطرش صوت الحسن الوزان، في النسخة العربية التي عرضت في قناة بي بي سي العربية بعنوان (على خطى ليون الأفريقي)
– ابن حوقل (943 – 988م)
هو أبو القاسم محمد بن حوقل اومحمد بن علي النصيبيني، ولد في نصيبين في شمال شرق الجزيرة الفراتية ضمن الحدود التركية اليوم، هو كاتب وجغرافي ومؤرخ ورحالة وتاجر مسلم من القرن العاشر للميلاد. من أشهر أعماله «صورة الأرض» عام 977.
المعلومات القليلة المتوفرة عن ابن حوقل مستخلصة من كتابه الذي كان مراجعة وتطويرا لكتاب «مسالك الممالك» للإصطخري، والذي كان بدوره مراجعة لكتاب «صور الأقاليم» لأحمد بن سهل البلخي.
كان ابن حوقل أكثر من محرر، فقد كان رحالة يمضي وقتا طويلا في الكتابة عن المناطق والأشياء التي يراها. أمضى 30 عاما من حياته مسافرا إلى مناطق نائية في آسيا وأفريقيا. حطت به إحدى رحلاته 20 درجة جنوب خط الاستواء على الشاطئ الشرقي لأفريقيا. من ملاحظاته عن تلك المنطقة هو وجود عدد كبير من السكان، على عكس ما كان يعتقد الإغريقيون.
كان وصفه دقيقا ومفيدا للرحالة. تضمن كتاب «صورة الأرض» وصفا مفصلا للأراضي التي سيطر عليها المسلمون في إسبانيا وإيطاليا (وبالأخص صقلية)، وكذلك «بلاد الروم» (الإمبراطورية البيزنطية). من ملاحظاته في الكتاب أن عدد اللغات في القوقاز 360، وأن اللغتين الأذرية والفارسية هما لغتا التواصل للقوقاز. كما ووصف كييف وذكر طريق بلغار الفولغا والخزر لسفياتوسلاف الأول.
– أبو الحسن المسعودي (896-957م)
هو العالم أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي، ولد ببغداد في العراق، وسافر إلى فارس والهند وسيلان ودول بحر قزوين والسودان وجنوب شبة الجزيرة العربية وبلاد الشام وبلاد الروم ثم انتهى به المقام في مصر حيث توفاه الله.
بالإضافة لكونه رحالة عظيم فقد كانت له إنجازاته العلمية الأخرى منها كتابته عن نظرية التطور وطواحين الهواء والانحراف الوراثي، وأشهر كتبه هو كتاب (مروج الذهب).
وصف المسعودي الزلزال في كتابه (مروج الذهب) ووصف فيه البحر الميت، وطواحين الريح الأولى، وقد عد العالِـم (كرامز) ما كتبه المسعودي في كتابه هذا، عن الكائنات الحية أصلا لنظرية التطور. وقد أشار المسعودي في هذا الكتاب إلى الانحراف الوراثي في الحمضيات، أثناء عملية النقل لها من السند إلى مصر، وسجل هذا الانحراف على أصناف من الليمون.
ويعتبر من أهم الرحالة وقد قدم معلومات أنثروبولوجية قيمة عن شعوب المناطق التي زارها، فذكر أجناسهم وصفاتهم الجسمية وعاداتهم وتقاليدهم والحرف والمأكل والملبس والمأوى لكل شعب من الشعوب. أما في كتابه (التنبيه والاشراف) فقد سبق علماء الغرب بذكره أثر البيئة والمناخ على الإنسان وهو كأغلب الجغرافيين العرب تأثر بفكرة الأقاليم السبعة متاثراً باليونانين والفرس.
– الحسن المراكشي
هو العالم الفلكي أبو علي الحسن بن علي بن عمر المراكشي، من علماء المغرب، عاش في عصر دولة الموحدين في النصف الأول من القرن السابع الهجري، وتوفي سنة 660 هـ / 1262م، وقد اشتهر المراكشي في الفلك، والرياضيات، والجغرافيا، وصناعة الساعات الشمسية.
درس الحسن المراكشي واعتمد واطلع على ما كتبه العالم اليوناني بطلميوس، وما ورد في كتابه «المجسطي» في علمي الجغرافية والفلك، ولم يكتف بذلك بل نقده وصحح بعض أفكاره.
ارتحل كثيراً حتى استطاع وضع خريطة جديدة للمغرب العربي، وصحح ما ورد من أخطاء بعض الجغرافيين القدامى، ولاسيما الخريطة التي رسمها بطلميوس. ثم وضع تقديراً جديداً وصحيحاً لطول البحر المتوسط وقدره (24درجة مئوية) بخلاف تقدير بطلميوس المقدر بـ (26درجة مئوية) وتقدير بعض الجغرافيين العرب.
له كتاب وصف الكون عالج فيه التوقيت وفن صناعة الساعات الشمسية أي المزاول، وصنع أجهزة الرصد وطريقة العمل بها، إلى جانب جداول العرض والطول لمائة وخمسة وثلاثين موضعا جغرافيا.
عبد العزيز الشناوي