امتلأت الشوارع بورق الشجر المتساقط .. وبدأ الخريف ، وحاولت اثناء سيرى ان اتفادى الاوراق المتساقطه وكأنى اعطيها فرصه اطول للحياة ..وفجأه تسمرت قدماى وتوقفت عن السير ونظرت حولى ما الذى جاء بى الى هنا ؟! كنت دائما اتفادى هذا الطريق .. واليوم قادتنى قدماى اليه بدون وعى منى .. ونظرت الى منزله… كل شىء كما هو .. لم يتغير شىء وشعرت وانا اسير نحو المنزل بانى اقترب من الماضى.. وشعرت برجفه تسرى فى جسدى وغصه فى حلقى .. انفاسى المتلاحقه تشعرنى ان قلبى سيتوقف …المنزل كما هو لم يتغير .. نفس القشور على سطح المنزل .. نفس رائحة الياسمين المنبعثه من كل مكان فى الحديقه …وهبت نسمه بارده من نسمات الخريف .. اجبرتنى على ان اغمض عينى وتذكرت .. تذكرت اخر لقاء لنا فى هذا المكان .. تذكرته وهو ينادينى بحبيبته .. تذكرت دفء يديه وهو يمسك بيدى .. نظراته المحبه التى تشعرنى بآمان لا حدود له تذكرت كل شىء الا سبب فراقنا.. لماذا افترقنا؟ وتنهدت وفتحت عيناى فوجدته امامى ..فاتسعت عيناى من الذهول واعتقدت ان الخيال اختلط بالواقع .. ونظرت جيدا فوجدته حقيقه … ووقف ينظر الى فى ذهول ودهشه و … شوق انه كما هو .. لم يتغير شىء فى وجهه ..نفس النظره الثابته التى تخترقنى وتنظر الى اعماقى .. عينيه مليئه بالتساؤلات .. كان ينظر الى وكأنه يبحث عن نفسه بداخلى …ووقفنا للحظات يتفحص كل منا الآخر وكأننا مازلنا لا نصدق ان لقاءنا واقع وحقيقه .. ومد يده ليصافحنى ومددت يدى المرتعشه وضغط على يدى .. يديه مازالت دافئه كما اعتدت ان اشعر بها ، وتركت يدى فى يده للحظات ثم سحبت يدى سريعا وحاولت ان اتكلم فلم استطيع وقطع صوته هذا الموقف الصعب وقال : لم يتغير فيك شىء فنظرت اليه وتمنيت ان اقول لقد تغيرت كثيرا ولكنى لم استطيع التكلم ، فدعانى للدخول فقلت له : افضل الجلوس فى الحديقه الخلفيه .. وكنت اخطو داخل الحديقه وكأنى اعود بالزمن للوراء ثلاث سنوات .. آخر مره رأيته فى الحديقه كانت منذ ثلاث سنوات لم اراه خلالها ولا مره .. كل خطوه تقربنى من ماضى طالما سئلت الله ان انساه وتصورت انى نسيته ولكنى اخطأت .. فهذه الحطى المرتعشه وهذه الانفاس المتلاحقه تؤكد ان الماضى لم يموت بعد .. ربما تغيرت ولكنى لم انسى …وجلسنا فى نفس المكان الذى اعتدنا ان نجلس فيه معا .. ونظرت حولى وقلت : كل شىء كما هو لم يتغير شىء فى الحديقه ..فثبت عينيه على وجهى وقال : نعم لم يتغير .. ولكن انت تغيرتى
فقلت وانا احاول ان اهرب من نظراته : ربما اصبحت اكثر واقعيه ..
فقاطعنى : وجمالا ..
فابتسمت له وشعرت بسعاده طفوليه بداخلى واحسست بنفسى فتاه مراهقه تسعدها كلمات الاعجاب .. وسرح بنظره بعيدا وقال : ما اجمل الماضى .. كلما اتذكره يزيدنى سعاده ويحملنى عبر السنين اتذكر كلماتك .. مواقفك .. ضحكاتك.. فاشعر اننا لم نفترق ..أمازلت تتذكرين الماضى؟أتشعرين مثلى بالحنين اليه ؟
واثارت كلماته رعشه بداخلى وشعرت ان دموعى الحبيسه على وشك ان تنساب على وجهى وتمنيت ان اصرخ واقول نعم لازلت اتذكر كل شىء .. مازلت اعيش فى الماضى وتمالكت نفسى وقلت له :اجمل شىء فى الماضى انه انتهى .. ربما احيانا نشعر بالحنين له ولكن عندما نفكر جيدا نجد ان الماضى لا يعود وان …
فقاطعنى بحده وهو يقترب منى وقال : أتذكرين سببا لفراقنا ؟
وشعرت برغبه فى الضحك وكتمت ابتسامتى وصمت .. فقال : انا ايضا لا اتذكر .. ولا اريد ان اتذكر لقاءنا اليوم اكبر من مجرد صدفه ..لقاءنا اليوم فرصه من القدر .. المشاعر التى كانت بيننا تستحق ان نحاول من اجلها .. تستحق ان نعطيها فرصه للحياه ..
فقاطعته بحده : لقد قلتها بنفسك .. المشاعر التى كانت ..ماضى ..وقد قلت لك ان الماضى لا يعود و لا يمكن احيائه ، والافضل ان يحتفظ كل منا بذكرى جميله بداخله .. يستدعيها ويحن اليها بين الحين والآخر فيبتسم لها ويعود ليكمل حياته ..
فقال : ألا تستحق مشاعرنا ان تكون شىء اكبر من ذكرى ولماذا نشعر بالحنين للذكرى الا اذا كانت شىء حقيقى وقوى .. ألا يمكن ان نجعل من الذكرى مستقبل وحياه تجمعنا معا …
وصمت وظل ينظر الى وكأنه يستعطفنى .. وانا اشعر بحيره رهيبه بداخلى .. ربما فعلا الماضى يستحق المحاوله .. ربما يمكننا احيائه ، ولكن هذه المره لن يندمل الجرح ابدا …
وشعرت بالضعف يسرى فى جسدى …وشعرت بالخوف يملأ نفسى فوقفت فجأه ونظرت اليه وقلت : لقاءنا مجرد صدفه .. كأن لم تكن .. وحاولت ان انسحب سريعا ولكنه امسك يدى ونظر مباشرة فى عيناى وقال : انا اعرف انك لازلت تحبينى .. ولكنى سأتركك تختارين سأترك القرار لك كما كنت دائما افعل .. واعتبرى لقاءنا اليوم حلم .. حلم جميل مر عليك فى بداية الخريف والقرار لك اما ان تحولى هذا الحلم لواقع وحقيقه نعيش فيه معا .. واما ان تضيفى هذا الحلم الى ذكرياتك القديمه .. القرار لك
ورفع يدى الى فمه وقبلها .. ومشيت وتركته وانا لا ادرى الى اين سأمضى؟..واين الطريق ؟