إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا .
يحتفي العالم الإسلامي في هذه الأيام بذكري مولد خير الأنام و سيد الخلق الصادق الأمين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة و السلام ، تلك الذكري العطرة و الحدث الجلل الذي مهد له الله سبحانه و تعالي و صُحب بآيات و معجزات إلاهية أقر بها أحبار اليهود عبر العصور .
تمثل تلك المناسبة بداية لميلاد دين جديد يُبعث به و يُبشر به ذلك المولود المُحتفي بيوم ميلاده ، إلا أن هذا المولود لم يُبعث بدين جديد بل بُعث ليكون آخر لبنة في بناء أمة التوحيد و الإيمان ، ففي الآية الكريمة السالبة الذكر أمر الله سبحانه و تعالي الذين آمنوا بالصلاة و السلام علي رسوله الكريم و لم يأمر المسلمون لفظًا بل الذين آمنوا ، فالمؤمنون أشمل و أوسع معني ، إذ أن المؤمنون من لدن آدم عليه السلام إلي أن تقوم الساعة ، هذا النبي الخاتم لرسالة التوحيد هو أخ لآدم و موسي و هارون و عيسي و نوح ، جميعهم جائوا برسالة واحدة ” إن الله ربي و ربكم فاعبدوه “.
و لله ما يشاء في خلقه و كونه له الأمر في الأولي و الآخرة ، اختص بعض رسله و رفع بعضهم فوق بعض درجات ، فله خليل و له كليم و له حبيب ألا و هو محمد عليه الصلاة و السلام ، و الحبيب لابد له أن يكون مميزًا ، و أكبر ميزة ميز بها الخالق الحبيب هي اقتران اسم الحبيب بخالقه يوم أن قال الله سبحانه و تعالي للكون كن فيكون ، أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدًا رسول الله ، و تتعدد المميزات و المعجزات للمحبوب و لعل أهمها القرءان الكريم ، فكما كان محمد خاتم الأنبياء فإن القرءان الكريم خاتم الكتب السماوية المقدسة و الذي تكفل بحفظه من لا يغفل و لا ينام .
لعلي أقف عند حدث جلل آخر في السيرة النبوية العطرة و أتأمله بتفاصيله و أستحضر أحاسيس و مشاعر هذا الحدث ، بينما كنت أشاهد اليوم فيلم الرسالة النسخة العربية استوقفني مشهد انتظار أهل المدينة قدوم ركب سيد الخلق و صديقه الصديق أبو بكر ، و في فيلم آخر و هو الشيماء نفس المشهد برؤية أخري للمخرج لا يعنيني ، ما يعنيني هنا هو أنه خلال مشاهدتي للفيلمين غلبتني دموعي و ارتعش فؤادي و تأججت مشاعر الانتظار و أحاسيس الفرحة و الشوق للمصافحة بل و الرغبة في نزوله عليه الصلاة و السلام ببيتي المتواضع .
تمنيت بكل صدق أن أكون في هذا المشهد الحق و تخيلته ، إذا كان هذا شعوري الآن و أنا أشاهد فيلم فما بالك بالواقع ؟!!
يؤرخ لهذا الحدث بأنه بداية العام الهجري ، و أنا أعتبره الميلاد الحق يوم ولادة الأمة الإسلامية و وضع أسسها و نظامها و ترسيخ جذورها في الأرض الطيبة ، و انطلاق و بزوغ أشعة شمسها لتضئ أركان الكرة الأرضية علي يد من اختار لهم الله و اشتق اسمهم من اسمه ” السلام ”
فدولة المسلمين لم تأتي إلا بالسلام مدعومة من السلام محملة بالسلام علي من اتبع الهدي ، ” فقل لهم قولًا ميسورا ” ، ” فقل لهم قولًا كريمًا ” ، ” و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا ” ، هذا ما نحمله اليسر و الكرم و السلام ، هذه أخلاق المؤمنين حقًا ، فليس كل مسلم مؤمن لكن كل مؤمن هو مسلم ، طلع البدر مبينا رحمة للعالمين ، هذا البدر الذي اكتمل في سماء المدينة يوم قدومه إليها كان بمثابة المولد الحق .
ما أن استفقت من مشاعر و أحاسيس الانتظار و فرحة القدوم حتي بدر إلي ذهني سؤال جبار ، ماذا لو قيل لنا الآن في يوم التاسع و العشرين من أكتوبر عام ألفين و عشرين أن سيد الخلق قادم إلينا هنا في مصر لأي مدينة أو محافظة من مدن و محافظات مصر سمي ما شئت ، هل سنخرج خروج أهل المدينة المنورة آنذاك و تتملكنا ذات المشاعر و الأحاسيس أم سوف نتابع الحدث عبر شاشات التليفزيون و الهواتف الذكية متكئون علي الأرائك في منازلنا أو مشغولون بأعمالنا أو بدراستنا ، يا تري ماذا ؟!!!
لكم الإجابة !!!
أعلم أنك تريد إجابتي أنا ، إجابتي أنا عزيزي القارئ تأتي من فرنسا !!
نعم من فرنسا ، مع الأحداث التي سبقت و مهدت لحدث اليوم المواكب لإحتفال المسلمين بيوم ميلاد رسول الإنسانية ، فقد أريد لنا أن ننصرف عن الاحتفاء ، أريد لنا أن نقف متهمون ، أريد لنا أن نتعاطف مع ضحايا فرنسا ، أريد لنا بعد أن هاجمنا فرنسا أن نظهر تعاطفنا معها و نقدم واجب العزاء في ضحاياهم ، و أن ندرء تلك التهمة ” الإرهاب ” عن أنفسنا .
هذا ما خطط له سواء مصادفة أو عن قصد ، فمن يقتل الأنبياء يقتل ما دونهم ، هكذا هو الشيطان و من تبعه ، هذه هي الحقيقة التي كشرت عن أنيابها مع بداية هذا العام ٢٠٢٠ ، بداية بڤيروس كورونا وصولًا ليومنا هذا ، و لا يزال لدينا شهران في هذا العام و لعله مقدمة لما يليه من أعوام قادمة ، أسأل الله تعالي الستر و النصرة و الثبات و الزيادة في الإيمان ، فالحرب أشرس من ما نتخيل ، هكذا أعتقد ، فما آلت إليه أمة الإسلام من انبهار بالغرب علي مدي المائة عام المنصرمة ، و التسارع و التفنن في تقليد و إتباع خطي ذلك الغرب ، ينذر لفاجعة قد لاح فجرها في الأفق ، أسأل الله العفو العافية و أن يرفع مقته و غضبه عنا و أن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا .
نصيحتي لك عزيزي القارئ أن لو سمعت بقدوم رسول الله عليه الصلاة و السلام إلي مدينتك اترك كل شئ كل شئ و كن في الصف الأول من صفوف المستقبلين و إرم الدنيا وراء ظهرك و اتبعه فإنه طوق النجاة ، و إذا حرصت علي أن تصحب شئ معك فليكن ذلك الشئ هو كتاب الله الكريم القرءان الكريم ، حفظنا و إياكم من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، و السلام ختام .