حوارية سردية
براغماتي
-“أهلاً بالغالي، اشتقت إلى جلساتك، وكلامك الموزون يا رجل، هل الزواج يجعلك تنأى عنّا كل هذه المدة ؟ والله يا سيدي يبدو فعلًا من لقي أحبابه نسي أصحابه “.
– ” ما هذا الكلام الذي تقوله يا رجل ؟ كيف لي أن أنساك ؟ وهل أستطيع ؟ أنت الوحيد الذي أتكلم معه بمطلق حريتي، ولعلك الوحيد الذي يسمعني، ويتقبل فلسفتي، عندما وصلتني رسالتك على الجوال سارعت فورًا للقاء”.
– ” لم أتوقع أن تلبي الدعوة سريعًا هكذا، فما زلت عريسًا جديدًا، غريب كيف تركت عروسك، والأغرب كيف سمحت هي لك بالمغادرة ! هل ملّت منك ؟هههه”.
-” أوصلتها إلى بيت أهلها زيارة، تتواصل معهم بصمتهم الصارخ، يا رجل، أشفق عليها صامتة كل اليوم، يتحرك فيها كل شيء، وتبقى صامتة، ماذا أفعل كيف أستفزّها لتتكلّم معي كما نتكلم نحن ؟”
– ” حرام عليك، أنت براغماتي وتسألني هذا السؤال ؟ طبّق نظرياتك البناءة عليها، أين هي( العَمَلانية) يا (ويليام جيمس ) زمانك ؟ “.
– ” تسخر ؟ سيأتي يوم وأجعلها تستمع لكل ما أقوله، كما تفعل أنت، وعندها لن أضطر للكلام معك، فقط أشفق عليها، لا تفهم الكثير مما تراه، وأشك أنها لا تسمع ..! قد تحتاج إلى سماعات كسماعاتك، تلك التي تستعملها للتمويه، بربك لماذا توهم الناس بأنك لا تسمع؟ أهو نوع من التورية ؟ “
– ” من يسمعك يظن أنك تسمع !”
-” يا صديقي، نحن نتكلم بحريتنا في عالم لا يسمع، ولا يتكلم، بالمختصر أبكم، انظر إلى كل المحيطين بنا، فقط على مستوى القهوة التي نجلس بها، ماذا ترى؟ أشخاصًا ينظر بعضهم إلى بعض بخوف وحذر، وإن أمن أحدهم الآخر تراه يهمس همسًا لا يكاد يغادر الشفاه، لا يجرؤون حتى على الشكوى، مع أن كل ما يحيط بهم يدعوهم إلى ذلك، لكن الخوف يلجمهم، أما نحن فنتكلم ونتكلم ونتكلم، ونسمع ونسمع ونسمع دون خوف “.
-” من قال لك أنني لا أخاف ؟ أخاف جدًّا، ليس منك، بل منهم، وعليك أخاف أكثر “.
-“أووووف، أنت تبالغ في كل شيء، لِمَ تخاف؟ ومِن مَن ؟ وعلام ؟ انظر أليست نعمة أن نتحدّث بكل شيء، وننتقد كل شيء، ونخوض في الأعماق، وبصوت عالٍ نقول رأينا بكل الأشخاص وكل المواضيع، ننتقد كل الأوضاع ونتناول كل القضايا، لا رقيب علينا سوى ضميرنا، بماذا تريد أن نتحدّث؟ بقضايانا العامة؟ ما يحدث في أوطاننا من حروب و نزاعات حمقاء؟ إن دلّت على شيء فلا تدل إلّا على أننا شعوب غافلة، بكل طبقاتها، العليا قبل الدنيا، نُدمّر أوطاننا بأيدينا، وبأسلحة نشتريها من أعدائنا، والعدو الحقيقي يتربّص بنا، فرحًا بما يراه منّا من فرقة وشتات واقتتال، وبما وصلنا إليه من شقاء وتهجير وموت، انظر إلى الفوضى المدمرة التي وصلنا إليها …”
-“اسكت، بربك اسكت، بدأ الخرس ينظرون إلينا، أصواتنا العالية طرقت مسامعهم، اسكت، اسكت “.
-“ما بك يا رجل ؟ وهل أقول شيئًا غير الواقع؟ اسمع نتحدّث في شأن آخر، وضعنا الاقتصادي هل ترى إلى أي حدّ تردّى ؟ بتنا والفقر والشقاء أخوة وأهل، سرق المتنفّذون أموال البلاد، وملأ تجار الحروب جيوبهم وخزائنهم بكل ما تبقى ..”.
– “أرجوك اسكت، اسكت، هذا الجالس على الطاولة المواجهة لي، أراه ينظر إلينا ويكتب، يا ويلي، الله يستر “
“- غبيّ أنت أم ماذا ؟ ماذا يسجل؟ وهل يسمع حتى يسجل ؟ اسمع يا صاحبي : حسب النظرية البراغماتية فإن الحقيقة هي في نتيجة العمل, لا بالتصوّر المسبق، وقد جرّبنا على هؤلاء أنهم لا يسمعون، ولا يدركون، لذلك استرح واهدأ و اطمئن، ودعنا نكمل حديثنا ..الغلاء الفاحش، وتدني الأجور، انتشار بيوت الرذيلة، و سكوت رجال الدين عن الكثير من المخالفات الشرعية، وخطاباتهم التي تدعم توجهات غريبة عن أصل الدين، والإعلام الذي يجافي الحقيقة في معظم المحطات التلفزيونية والصحف والمجلات ، الدولااااار …”.
“- لا.. أرجوك توقف هنا، يكفي .. لِمَ لا تحدثني عن حياتك الجديدة؟ أقصد حياتك الزوجية؟ هذا حديث ممتع أطرب له، هيا عليك أن تخبرني لأرى هل أتبع خطاك أم لا ؟”.
– “هيا، دعنا نفترق، طالما انت خائف إلى هذه الدرجة، مهلا هل تعرف هذين الرجلين اللذين يتقدمان باتجاهنا؟ ماذا يريدان يا ترى ؟”.
“- أيها البرغماتي العظيم، يبدو أنك نسيت أحدث مستجدات منهجك البراغماتي، والتي تقول : أن الحقائق تتغير مع الزمن، وأن ما كان حقيقة بتجارب ونتائج الماضي، قد تغيّر في الحاضر، وأن الرجل الذي حكمت عليه بأنه لا يسمع .. يتقن لغة الإشارة ، وأن القادمان هما عنصرا أمن، جاءا لاعتقالنا !”.
#دعبيرخالديحيي