شرطة مكافحة جذب الأفكار!
(الجزء الثاني)
العجوز الوحيد
Breaking news
شريط الأخبار:
هذا وتستمر «شرطة مكافحة جذب الأفكار السلبية» في ملاحقة المواطنين الغير قادرين على السيطرة على أفكارهم وتقوم بتوقيفهم واعادة تأهيلهم حسب حالة كل منهم لما في ذلك من خطورة عليهم وبالتالي على الوطن محرزة بذلك سبقاً ونجاحاً باهراً في منع جرائم كثيرة بدأت كأفكار سلبية لديهم كان من شأنها تهديد أمنهم وتحويلهم لمواطنين غير صالحين خطرين على الوطن.
*****
بهدوءه المعتاد قطع المحقق “محمود” طريقه وسط أروقة الإدارة العامة لشرطة مكافحة جذب الأفكار السلبية، حاملاً ملفاته وقهوته، حتى إذا ما وصل لغرفة التحقيقات ففتحها كاشفاً عن الشخص الجالس أمام مكتبه .. تفحصه جيدا .. عجوز تخطى الستين تبدو الطيبة المشوبة بالخوف على وجهه وسط علامات السنين التي أعطته عمراً أكبر من عمره المذكور بالتقرير، تلفه ثيابه المتواضعه مما دفع شعوراً بالتعاطف أن يداعب “محمود” خاصة بعد تصفحه لملف المعلومات الخاصة به، لكنه تجاهله موجهاً نظره لشاشة معلوماته الكبيرة التي ظهرت المعلومات عليها فبادر العجوز: “سمير عبد المجيد .. موظف حكومي متقاعد على المعاش، تعيش وحدك لم يسبق لك الزواج، لديك اخ واخت بمحافظتك القريبة من القاهرة والباقين توفاهم الله.”
ارتجف العجوز في خوف وأجاب: “نعم يا سيادة المحقق، هو أنا، وانا لم أفعل شيئ صدقني، أنا رجل عجوز مسكين ليس لي علاقة بأحد ولم أخرج من بيتي الا نادرا الفترة الأخيرة وأأأ…
قاطعه “محمود” في إشفاق جاهد ألا يظهر: “اسمع يا أستاذ “سمير” .. سأشرح لك الموقف بهدوء حتى تستوعبه فكبر سنك ليس مبرراً ولا شفيعاً يجنبك تطبيق القانون، فكلنا سواسية أمام القانون كما تعلم، لكن دعنا نهدئ من روعك أولا” .. ثم صًوب نظره للباب هاتفا: “فرج … فرررررراااااج” ليطل فرج بوجهه الهادئ وبإجابته المعتادة “أمرك يا محمود بك”.
– “عصير يا فرج”.
– “تحت امرك يا فندم”.
يعود فرج بعد دقائق حاملاً العصير وواضعاً إياه أمام العجوز المتوجس فبادره محمود “كما قلت لك يا سيدي فالقانون لا يجد سنك مبرراً يعفيك من تطبيقه عليك، لذلك سأجتهد في شرح الموقف لك بهدوء، حدثني اولاً .. ما معلوماتك عن قانون مكافحة جذب الأفكار السلبية؟”
في حيرة أجاب العجوز: “لست أعلم عنه سوى أنه قانون قد سُنً منذ سنوات لمحاسبة الناس على أفكارهم ولم أتخيل نفسي يوماً ضحية لهذا القانون العجيب .. أنا من مواليد سنة 2000 يا سيادة المحقق وعمري الآن 66 عاماً .. خبرت الكثير في حياتي ورأيت تطوراً مضطرداً سريعاً بكل شئ ولم أتخيل أبداً أن تمر بي الأيام فأرى هذا العجب .. صدقني أنا عجوز مسالم وحيد ليست لي أية عداوات”.
محمود : “اسمعني يا سيدي، هذا القانون قد سُنَ لمصلحتك ومصلحة من حولك فهو لا يحاسبك على أفكارك لكنه يوقفك فقط حين تخرج تلك الأفكار عن الاطار الطبيعي وتزداد في السلبية وتصبح نذير سوء عليك وعلى مجتمعك بالتبعية لذا لزم التدخل هنا لمعالجة تلك الأفكار السلبية طالما كنت عاجزاً عن إدارتها .. ألا تشعر ببعض المسئولية تجاه من حولك؟ نعم تقول الحقائق بأنك رجل وحيد بحياتك ونادر الاختلاط بالآخرين لكنك فرد من مجتمع يؤثر ويتأثر تلك طبيعة الأشياء ومخطئ من يتوهم بأن أفكاره السوداء تخصه أو تصب بانعكاساتها عليه فقط فيعيشها بأريحية بلا أدنى إحساس بالذنب تجاه نفسه أو من حوله .. مخطئ آثم يا سيدي من يعتقد ذلك”.
تتسع حدقة “سمير” ويردف في هلع: “وكيف أديرها يا سيادة المحقق، أعجز حتى عن استيعاب كلماتك تلك”.
“سأساعدك يا أستاذ سمير، تلك مهمتي كرجل شرطة متخصص .. أريد فقط أن تشرح لي البيئة المحيطة بك قليلا ثم أساعدك بتواريخ وأماكن المشاعر التي ظهرت عليها السلبية الشديدة” .. يقلب محمود بالسجلات الالكترونية أمامه متمتماً: “لن نتحدث كثيراً بتلك النقطة فجميع مشاعرك السلبية تركزت وللعجب بمكان واحد .. منزلك!! لكن لنستمع إليك اولا .. تناول عصيرك وتحدث وأنا هنا فقط لأسمعك وأساعدك”.
في توتر تناول “سمير” عصيره وتلقى نظرة متعاطفة مشجعة من محمود فبدأ حديثه: “أنا رجل وحيد مسالم أعيش وحدي منذ سنوات، جئت من محافظتي منذ سنوات كثيرة منقولاً من ديوان المحافظة للمصلحة هنا ومن وقتها وأنا أعيش بالقاهرة وحيداً ليست لي صداقات كثيرة أو اختلاط بأحد”.
قاطعه محمود: ” لكنك لم تسكن ذات المكان طوال تلك الفترة، لقد انتقلت إلى مسكنك الحالي بعد خروجك على المعاش، صحيح؟”
في ارتباك أجابه: “نعم لقد غيرت محل سكني فصاحب المنزل الذي كنت أسكن به قد رفع الايجار بما لا يتناسب مع دخلي كما أنني كنت أسكن في هذا السكن لقربه من عملي وها قد تركت عملي فصرت حراً فانتقلت لتلك الشقة الصغيرة بذلك الحي المتواضع”.
- وعلى أي أساس اخترت هذا المكان؟
- أأأأ .. بناء على اقتراح زميلتي بعملي السابق السيدة “رئيسة” وزوجها الفاضل الاستاذ “حمزة” هما من رشحا لي تلك الشقة لأسكنها.
- أمر يبدو جيد يا استاذ سمير لتكون قريبا من بعض أصدقاءك أخيرا.
- انا بالحقيقة لا شأن لي بأحد .. في حالي تماما ولا أختلط بأحد.
- كنت سأسألك عن مدى علاقتك بهم أو بباقي جيرانك.
- كما قلت لك لا شأن لي بأحد .. جيراني والسيدة “رئيسة” وزوجها كلهم أفاضل وطيبون لكني رجل وحيد منذ زمن تعودت على وحدتي ولا أحب أن أختلط بأحد .. صدقني لقد أحضروني هنا بالخطأ انا لا شأن لي بأحد ولا…
- بهدوء يا استاذ سمير من فضلك لا تنفعل .. أحاول مساعدتك لا اتهامك .. أسألك عن البيئة المحيطة بك كي أحاول استشفاف أفكارك ولا أخفي عليك الأمر محير فأنت رجل على المعاش والسجلات تظهر الأفكار السلبية على أشدها مؤخراً بمنزلك وا…..
- يقاطعه “سمير”: نعم .. رجل وحيد على المعاش أقضي آخر أيامي وحيدا .. بربك افرج عني يا حضرة الضابط أنتم ترتكبون خطأ.
- مهلا يا أستاذ سمير .. فالأمر ليس بتلك السهولة لنكمل نقاشنا في البيئة المحيطة بك ولتحكي لي أكثر عن علاقتك بمن حولك وكيف تقضي أيامك تلك يا رجل .. قل لي بالتفصيل من هم جيرانك وكيف هي علاقتك معهم.
- يا حضرة الضابط أنا رجل مسالم اعشق الوحدة يومي لا يتجاوز مشاهدة التليفزيون أو الخروج للجلوس وحيداً على القهوة التي تقع خلف منزلي.
- وجيرانك؟ هل هناك أي مشكلات تعرضت لها بمنزلك أو بالحي عموما؟
- اي مشكلات تقصد يا حضرة الضابط؟
- مشكلات عادية كالتي تحدث بين أي جيران أو أن يزعجك أحدهم .. حدثني عنهم بالتفصيل.
- أنا يا سيدي أعيش بمنزل صغير ليس به سوى ثلاث شقق إضافة لشقتي فبالدور الأرضي الست “جميلة” وهي أرملة طيبة تربي أبناءها بعد وفاة زوجها ولا أذكر الا أني أقابلها أحيانا على السلم ولا أسمع صوتها إلا نادراً حين أكون ماراً بشقتها وأسمعها تدفع أبناءها للإستذكار كأي أم مصرية، والاستاذ “خيري” وعائلته “زوجته وأولاده” بالدور الثاني وهو رجل طيب وفاضل كذلك، أقابله أحياناً على القهوة أو بصلاة الجمعة التي تجمعنا، ثم زميلتي السابقة الست “رئيسة” وزوجها “حمزة” بالدور الثالث وهم كما ذكرت لك زوجان طيبان تسببا في أن أسكن بهذا المنزل الهادئ.
يصمت “محمود” وهو يتأمل ملامح “سمير” المسالمة ويستدير بكرسيه المتحرك ليحدق بالحائط محدثاً نفسه: “ممممم عجوز مسالم ومنزل هادئ وجيران مثاليون وبالرغم من الملائكية التي تحدق بهم هناك افكار سلبية للغاية تعبث برأس “سمير” .. هناك خطأ ما .. لا أعلم أين لكن ثمة خطأ ما لا محالة”!
يلتفت “محمود” لسمير الذي يعبث به القلق قائلاً: أستاذ سمير .. سننقلك لغرفة اخرى تستريح بها قليلا ونكمل التحقيق بعدها .. فررررراااااج
يطل “فرج” بوجهه من الباب فيطلب منه “محمود” اصطحاب “سمير” لغرفة أخرى قيد التحقيق فيتمتم “أمرك يا محمود بك” ويصطحب “سمير” خارج الغرفة.
تمر الدقائق ومحمود يراجع بعض البيانات على شاشة الكمبيوتر، ثم ما يلبث ان يلتقط الهاتف قائلا: “أحمد” .. شكرا على البيانات والتاريخ المرضي الذي ارسلته لي والخاص بسمير عبد المجيد .. الآن أريد في الحال كل ملفات وبيانات جيرانه بنفس العقار وتحريات بأي نوع من المتاعب او المشاكل بالعقارات حوله بالشارع أو بالقهوة التي يجلس عليها .. نعم سريعا يا “أحمد” دعنا ننتهي لن أقضي اليوم أحاول استخراج الكلمات من فم العجوز .. لا .. لم أحدد بعد .. إحساسي لم يسجل لي شيئ بعد لا إدانة ولا تعاطف .. الشيئ الوحيد الذي أوقن منه أن هناك شيئ خطأ .. شيئ غير مكتمل بكلماته .. معلومة غائبة .. شيئ يخفيه ربما .. سأتحرى أولاً ثم أرى .. شكرا يا “أحمد”.
يستمر “محمود” في مراجعة الملفات الالكترونية لفترة تزيد عن النصف ساعة حتى يصله إشعار بملفات جديدة في بريده الالكتروني فيقوم بفتحها والغوص في تفاصيل الحي والجيران شخصاً شخصاً ثم ما يلبث أن يحدق بالشاشة بشدة وتظهر على وجهه علامات الاستغراب والاستفهام فيتراجع بكرسيه للخلف متمتماً: “غريب .. غريب جداً”.
لا يلبث أن يصيح “فررراااااج” … فيحضر فرج في الحال هاتفاً: “أمرك يا محمود بك”.
هاتلي الاستاذ “سمير” خلينا ننتهي.
يقوم فرج بإحضار العجوز لمكتب “محمود” مرة أخرى والذي يحضروقد بلغ منه الإرهاق مبلغه.
يبادره “محمود” قائلا: دعنا ننتهي من هذا الأمر يا أستاذ “سمير” فالإرهاق يبدو عليك بشدة.
- يا حضرة الضابط قلت لك أن حضوري هناااا…..
يقاطعه “محمود”: عن طريق الخطأ بالتأكيد .. نعم ذكرت هذا مراراً وتكراراً .. دعنا نراجع بعض المعلومات التي ذكرتها والتي يبدو أنك لم تتحرى الدقة بها.
تتقلص ملامح “سمير” بالقلق بينما يستمر “محمود”: ذكرت بحديثك ان جيرانك أشخاص مسالمون للغاية وأنه لا تجمعك بهم أي علاقة إلا لقاءات بسيطة عن طريق الصدفة.
- نعم يا حضرة الضابط.
- التحريات تؤكد ذلك بالحقيقة.
- ألم أقل لك يا بك.
- مهلاً .. فقد ذكرت التحريات أمراً آخر أريد أن أستوضحه منك.
- ماهو يا سيدي؟
- أنت لم تذكر لي أن “حمزة” زوج الست “رئيسة” زميلتك السابقة وجارتك الحالية شخص سيئ كثير الاعتداء عليها وانهم دائموا الشجار لدرجة أن بعض تلك الشجارات مسجلة بمحاضر رسمية؟
- آآآآ أنا لا أعلم ذلك.
- كيف لا تعلم ذلك وقد شهدت في محضر رسمي منذ شهر بما سمعته من شجار بينهم حين تطور الأمر لصراخ شديد منها جعل الأستاذ خيري جاركم يطلب عون الشرطة.
- آآآآ ربما كنت لا أذكر ذلك فأنت تعلم أنا مسن وذاكرتي آآآآآ…..
- لا تذكر؟! .. لكنك الآن تذكر بالتأكيد وتستطيع أن تخبرنا.
- أنا لا أعلم عن الأمر شيئ يا سيدي سوى تلك المشادات بينهم من وقت للثاني وهو أمر لا علاقة لي به.
- أستاذ “سمير” .. احكي لي عن زميلتك السابقة السيدة “رئيسة” .. كم سنة تزاملتما؟
- عشر سنوات يا بك منذ نقلها من إدارتها حتى خرجت أنا على المعاش.
- يبدو أنها سيدة طيبة محبوبة كما تقول التحريات عنها.
- انها حقيقة يا بك الست رئيسة ملاك يمشي على قدمان .. طيبة ولينة الجانب تبعث فيمن تجاورهم هدوءا وراحة آآآآ انها زميلة ممتازة متعاونة بالعمل وآآآآآ….
- ولها زوج سيئ فيما يبدو.
- آآآ.. لا أعلم .. أقصد تسألني عن العمل وبالعمل لم أكن أعلم شيئ عن زوجها.
- ألم تكن تحضر للعمل مهمومة او حزينة مثلا ببعض الايام؟
- لا أعلم.
- تريد أن تقنعني أنها كانت تتعرض لعنف زوجها السيئ ليلاً ثم تحضر للعمل ضاحكة سعيدة؟ ربما تحتاج إلى إجهاد ذاكرتك معي قليلاً.
- في الحقيقة يا بك كانت كثيرا ما تحضر مهمومة ساهمة وحزينة وبحال غير جيد.
- هل كانت تحكي لأحد بالعمل عما تتعرض له؟
- في الحقيقة كانت دائمة الحديث مع الست “تهاني” زميلتنا وصديقتها المقربة .. أذكر أن “تهاني” كانت تحكي في مرة عما تعانية “رئيسة” ومنها علمنا سبب شحوب تلك الأخيرة وأفعال زوجها الحقيرة.
- ربما أفعال زوجها حقيرة بالفعل طبقاً للمسجل لدينا لكن أليس هناك احتمال بأن تكون هي الأخرى تزعجه او انها ليست المرأة المثالية التي تتخيلونها بالعمل .. يحدث كثيراً يا أستاذ “سمير” يتظاهر شخص ما بالمثالية وهو شخص سيئ .. ربما كانت سيئة المعشر تريه جانباً سيئاً لا تعلمون عنه شيئ .. جائز جداً.
- في إنفعال يرد سمير: “لا يا بك “رئيسة” من أفضل السيدات اللاتي من الممكن أن تتعامل معهم و”حمزة” ذلك الوغد الحقير الذي لا يستحقها هو من يجب محاسبته على أفعاله معها”.
تعلو أنفاس “سمير” من إنفعاله المطرد وهو ما يجعل “محمود” يتراجع في مقعده بهدوء وهو يتفحص العجوز ثم يعود ليقترب متسائلاً : أستاذ سمير ، كيف نقلت محل سكنك لمسكنك الجديد؟ ما هي الملابسات بالضبط؟
في عدوانية يردد “سمير” هل نقل محل سكني تهمة يا بك؟
- فقط أجب لننتهي
- حين اقترب موعد بلوغي سن المعاش سمعت رئيسة تتحدث مع “تهاني” عن جارتها العجوز التي توفت وكم كانت طيبة وودودة معها وكيف أنها إفتقدتها بعد وفاتها وفراغ مسكنها فطلبت منها مساعدتي لإستئجار هذا المسكن
- لم؟
- آآآآآ
- لماذا قررت بعد كل تلك السنوات تغيير محل سكنك مع بلوغك سن المعاش؟
- آآآآ .. لقد قلت لك من قبل بأن مالك العقار الذي كنت أسكن به كان قد نوى رفع الإيجار بما لا يتناسب معي ف ءءءء
يقوم محمود ليلتف حول المكتب مواجها “سمير” مردفاً: هل كنت تشعر بأنك ستفتقد “رئيسة” مثلا؟ ستشعر بالوحشة .. سيتملكك الحنين لها؟
يرتجف العجوز وتعلو وجهه أبلغ آيات التوتر فيكمل “محمود”: فقررت الانتقال لمسكنها حتى لا تبتعد عنها بعد المعاش .. أستاذ سمير .. هل يمكن أن تصف لي شعورك تجاه “حمزة” زوج رئيسة” أو بالأحرى شعورك وأنت تسمعه يسيئ لها كل يوم كما تقول تحرياتنا؟
ينهار سمير منفعلا: ذلك الوغد القاسي الذي لم يكن له ليعيش مع تلك المسكينة التي تشبه الملائكة في طيبتها ولينها .. ذلك اللعين الذي كان يتعين عليه أن يشكر نعمة ربه لا أن يهينها بتلك الصورة البشعة .. ويل لمن لا يشكر وجود النعم .. ويل كبير.
يقترب “محمود” مباغتاً “سمير” بسؤاله: “هل كنت تنوي معاقبة “حمزة” على أفعاله مع “رئيسة” .. ربما قتله؟ وهو ما رفع معدلات الطاقة السلبية التي رصدناها؟
يعلو صوت “سمير” في جنون تام: ليس هناك عقاب مناسب لهذا الحقير .. اختفاؤه من على وجه الدنيا كان الإجراء الأمثل .. لا أعلم من أين ظهرتم .. كنت سأنهي الأمر دونما أن يشعر أحد.
تتساقط دموعه وهو يصرخ: ليس عدلاً ان يستمر بحياتها ذلك الوغد .. ليس عدلاً .. كان لابد أن يختفي وكنت سأخلصها منه .. اللعنة عليكم أفسدتم كل شيئ.
يعود محمود لمكتبه وهو يسجل بصوته قراره بالقضية قائلاً: يحجز السيد/ سمير عبد المجيد لدى جهات الدعم النفسي ويخضع لبرنامج علاجي مكثف ويمنع خروجه حتى يتم البرنامج ويصير بشهادة الأطباء لا يمثل خطراً على المجتمع .. فررررااااااااج.
يطل فرج على الفور .. خد أستاذ “سمير” ورحله لإدارة الدعم النفسي وارجعلي عشان نشوف حكاية وحش الغابة الي اسمه “حمزة” ده كمان حنعمل معاه إيه .. التحريات دي ناقصة أكيد .. “حمزة” ده عنده طاقة سلبية تحرق البيت كله فين سجلاته ده؟
- اوامرك يا محمود بك.
في انهيار يستسلم “سمير” لفرج الذي يصطحبه خارجاً بينما يشيعهم “محمود” بنظرات آسفة لما آل له أمر “سمير” لكنه يعود للنظر لمكتبه ولملفاته الالكترونية ويلتقط السماعة في سرعة وحماس هاتفا: أيوه يا أحمد فيه داتا ناقصة عايزك تكملهالي وبسرعة .. آه سكان الدور التالت “رئيسة” و”حمزة” .. عايز قياسات الطاقة بتاعتهم وفورا.
يغلق السماعة متمتماً: “أما نشوف إحنا واللا إنتو يا بتوع الأفكار السلبية .. جتكو الهم مليتوا البلد! .. يا فررررررااااااج ….
منى عبد العزيز
مارس 2019