– أتعلم يا مدحت ؟اقامتى فى فيلا على شاطىء البحر كانت حلما يراودنى منذ طفولتى لذلك أشعر بحماسة غير عادية لرؤية منزلكم وكم كنت أتمنى لو كانت الظروف مختلفة وأسرتك مازالت موجودة
لكانت سعادتنا مكتملة الان
هز مدحت رأسه بشرود دون أن ينبس بحرف ، اكملت حديثى فى محاولة أخيرة لاخراجه عن صمته المطبق:
– أشعر كما لو ان سامح حيا وسيهرع لاستقبالنا عند باب الفيلا و….
لم اكمل الجملة عندما اهتزت السيارة بعنف وعلا صرير الفرامل
وأوقف مدحت السيارة فجاة والتفت محملقا فى وجهى بعينان ملؤهما رعب وتوتر وخرج صوته مرتعشا وهو يسألنى :
– لماذا تقولين ذلك ؟من أين جئتى بهذا الكلام؟
رددت بذعر وانا مذهولة من ردة فعله : هذا محض تمنى يا مدحت مجرد حديث احاول به كسر الصمت الذى يسود السيارة من بداية الطريق
هدأ فجأة مثلما ثار فجأة ورد متلعثما محاولا الاعتذار : انا اسف يا داليا فأنا متوتر منذ الحادث كما تعلمين
انفجرت به بالرغم عنى :أى حادث ؟ انا لا أعلم شيئا يا مدحت ولا أدرى حتى الان كيف مات سامح، ولا سر ذلك التوتر الذى حل بك محل الحزن من يومها، ولا سر رفضك الاقامة فى منزلكم.. باختصار لا أعلم عنك ولا عن أسرتك شيئا وواضح انه ليس من حقى السؤال عما تخفيه عنى
مدحت بصوت متعب :انا لا أخفى عنك شيئا ولكنها الظروف التى احاطت بوفاة سامح وعدم تمكنى من رؤيته للمرة الأخيرة وعدم وجود مكان نستقر فيه حاليا كل ذلك يضغطنى عصبيا اعذرينى حبيبتى ارجوكى
لم أقتنع بكلامه ولكننى أثرت الصمت والتظاهر بتصديقه حتى لا أزيد الأمر احتداما وقبيل غروب الشمس كنا أمام الفيلالم تكن فيلا بالمعنى المفهوم بل كانت منزلا من طابقين يحيط بهما سياج صغير يضم بداخله مساحة ضيقة أشبه بحديقة صغيرة جدا لكنها مهملة حد الخراب
اما المنزل نفسه فكان يبدو عليه رغم القدم مسحة فخامة غابرة تأكلت مع ما أكلته الرطوبة من جدران المنزل كان الموقع رائعا والجو بديعا وصوت البحر الذى أعشقه يشكل خلفية اكتملت بها الصورة المثيرة للمشهد ككل
خطوت الى المدخل حاملة طفلتى التى انطلقت فى البكاء وكأنها استشعرت غرابة المكان ، وتبعنى مدحت حاملا حقائبنا القليلة وضعها أرضا وأدخل يده فى جيبه ليخرج مفتاحا ضخما عتيق الشكل فتح به البوابة الحديدية ثم مفتاحا اخر فتح به باب المنزل الذى اطلق صريرا عاليا اقشعر له بدنى
دلفنا جميعا الى الداخل وكان المشهد كالتالى :
الطابق الأرضى عبارة عن بهو متوسط الاتساع لا يشغله سوى أنتريه عتيق فى جانبه وتتوسطه سفرة صغيرة مازال عليها بقايا طعام قديم وجاف وكان المقعد المجاور للطعام مقلوبا فى الأرض وكأنه ثمة ما جعل سامح القيام متعجلا وترك طعامه على حالته شعرت بشفقة على ذلك المسكين الذى مات وحيدا مثلما عاش وحيدا
ولكن فضولى غلب شفقتى وواصلت تفقد المكان بشغف
هناك فى مواجهة الباب رأيت كونسولا مذهبا ولكنه مغطى بملاءة داكنة اللون
أخذت أتجول فى المكان وعيناى تمسحان كل شبر بانقباض لا أدرى مصدره
كان الوضع مزريا بحق خيوط العنكبوت تتدلى من الأركان، والتراب يغطى كل شىء رغم ان جميع نوافذ المنزل كانت مغلقة باحكام والستائر مسدلة بعناية قادتنى قدماى الى غرفة صغيرة يبدو أنها كانت غرفة نوم سامح ، وهالنى منظرها المبعثر والقذارة التى تملأ المكان والملابس المتسخة التى تتكوم على الفراش والمقاعد وال …. ماهذا؟
فى جانب الغرفة استرعى انتباهى مايشبه التسربحة ولكنها كانت منزوعة المراة أو بالأحرى مراتها مهشمة تماما لم يبق منها الى بعض الشظايا العالقة باطارها الخشبى ،وتذكرت مراة الكونسول المغطاة تماما ولكنى لم أعر الأمر اهتماما ولكن نظرة واحدة الى خزانة الملابس مهشمة المرايا جعلتنى ارتد مذعورة الى الخلف موقنة ان الأمر مقصود هناك شىء ما جعل سامح يمقت المرايا او… ربما … يخاف منها .. وعند هذه النقطة ارتعد جسدى وأنا أحاول تخمين ماذا ياترى أخاف سامح من المرايا؟!!
افقت على صوت بكاء طفلتى التى مازلت احملها على ذراعى وحاولت تهدئتها منتبهة فجأة الى غياب مدحت لقد استغرقت فى تفقد المكان وغفلت عن اننى لم اره مذ دخلنا الى المنزل
أحسست بخوف شديد عندما وجدتنى وحيدة وخرج صوتى مرتعشا خافتا منادية اياه : مدحت مدحت أين ذهبت؟
ولم يجيبنى سوى الصدى .
يتبع،،،