كان «حزب البالكونات» حاضراً فى يناير 2011 .. فمن فوق كانت تأتينا زجاجات المياه، فنروي عطشنا .. ومن تحت نردد هتافنا: (إنزل يا مصري). وإليهم يصعد النداء: (واقف في البالكونة ليه .. خدت حقك ولا إيه).
الخوف من التغيير، هو الذي يصنع هذا الحزب .. وهو الذي يحركه أيضاً.
نقول فى أمثالنا: يا بخت من زار وخفف .. يريد المصريون ثورة من هذا النوع .. ثورة (تيك أواي)!
نخزن لها مُقدماً كميات كافية من الطماطم وسجائر السوبر.
ثورة تنطلق بعد انتهاء الدوري وكأس أبطال أوروبا .. وتنتهي قبل موعد صرف المعاشات والمرتبات!
فى قصة «المرتبة المُقعرة»، كانت نبوءة يوسف إدريس إلى «حزب البالكونات»، حدث أن نام الزوج سنة، فطلب من زوجته أن تنظر من الشباك، وسألها: هل تغيرت الدنيا؟! نظرت، ثم أجابت: لا .. لم تتغير.
سنة بعد سنة ينام ويصحو، ويسأل.
نام الزوج عشر سنوات .. حفر بجسده حفرة عميقة فى المرتبة .. وبموته، تحولت المرتبة إلى لحد.
حملوه بالمرتبة وألقوه إلى أرض الشارع الصلبة.
عندئذٍ فقط .. هتفت الزوجة: يا إلهى لقد تغيرت الدنيا!
علمتنى يناير، أن أتصرف بحذر مع إخوتنا في «حزب البالكونات»، يكفي ـ مثلاً ـ أن تبدأ إحدى السيدات بالدعاء على الثوار .. “إلهي يخرب بيتهم .. وقفَوا المراكب السايرة”، فيتحول الميكروباص الذي تركبه إلى مأتم يسير على أربع عجلات .. لذلك كنت أتجنب النظر في عيون أصحاب المعاشات.
كانت الست والدتي، واحدة من هؤلاء، وكنت ألتزم الصمت فى أزقة كرموز وأسفل كوبرى العوايد .. هنا يتسرب العُمر وتضيع حاجات كبيرة .. أكبر من إني أجيب لها سيرة، كما يقول صلاح جاهين.
وهنا وصلة (الردح) المكتومة .. بين الأهالى وبين الرفاق .. تُهمَتهم عندنا أنهم، (ناس معندهاش حلم لبكرة .. غير إنها لازم تعيش .. ولو تعيش مُستعبدة) .. وجريمتنا عندهم أننا، (كاذبون .. أقنعناهم بأننا قادرون على النزول للتغيير فى أي وقت) .. لقد خدعناهم وتركناهم يستجدون الحياة!. إنهم يبيعون ما تبقى لهم من (كرامة) .. أما نحن فنبيع لهم (الكلام).
تحول «حزب البالكونات»، على ألسنة الإعلام إلى (حزب الكنبة)!
لعبت الكنبة دوراً هاماً في حياتنا الشعبية .. كانت محل النوم والجلوس والطعام .. وفي الأفراح: ننزع عنها فرشها ومخداتها المحشوة بالقش .. ونضع فوقها كرسيين خشبيين .. أحدهما للعروسة والآخر للعريس.
كان يتم حشد (حزب الكنبة) للخروج فى 30 يونيه 2013 .. تصور بعض الإعلاميين، أن أعضاء (حزب الكنبة) من النوع المُلتصق .. كائنات (قاعدة)، يمكن أن ندفعها للخروج فى لحظة .. وأن نلمها ونطبقها فى لحظة .. ولذلك طلبوا منهم النزول إلى الشوارع .. كل واحد معه، كنبة أو كرسى أو دِكة.
الفكرة كما ترى يا صاحبي، خطيرة .. ولكن المُصيبة، فى الخيال المحدود .. والكارثة، فى العقل الذي قد يتوقف عن النمو عند مرحلة معينة!
هل تُحب الحواديت؟
يُحكَى أنه في بداية حكم الرئيس المخلوع .. كان الكاتب الساخر محمود السعدني مصدوماً، فطلب السعدني مقابلة محمد حسنين هيكل .. وهَمس فى أذنه: “مُصيبة .. كنت عند الرئيس مبارك الآن”.
سأل السعدني الرئيس المخلوع: “ياريس .. ما هو شعورك وأنت تجلس على الكرسي الذي جلس عليه رمسيس الثاني وصلاح الدين ومحمد علي وجمال عبد الناصر” .. نظر المخلوع إلى الكرسي الذي كان يقعد عليه .. وقال له: “هل أعجبك الكرسي؟ إذا كان أعجبك فخذه معك”!