قديما .. وقبل الميلاد بآلاف السنين .. أنجبت مصر «ايمحوتب»، عميد الطب العالمى ورائده الأول بإجماع المؤرخين. ويعنى اسمه الهيروغليفى (الذى يأتى فى سلام) .. إنه الطبيب والمعمارى والوزير وكبير الكهنة .. وفوق ذلك كله، رافع أول صرح حجرى فى التاريخ: هرم الملك زوسر المدرج بسقارة.
يوم أن كانت الإنسانية لازالت فى طفولتها الأولى، أهدتها مصر فى ايمحوتب، عبقرية طبية نادرة في تاريخ البشر. يقال أنه المخترع الأول لفن الطب بلا منافس. عُبدَ فى منف كإله للشفاء، وقيل فيه: أنه أول صورة لطبيب واقعى، وأصبح إلهاً شعبياً محبوباً عند القدماء المصريين.
من أرض ايمحوتب، خرج الطب للعالم، وعرف المصريون كيف يستشفوا ويعالجوا غيرهم بما تحتوي عليه أرضهم من نعم نادرة، ومناطق تمتاز ينعم ربانية شافيه للعديد من الأمراض.
تنتشر فى مصر مئات من العيون والآبار الطبيعية ذات المياه المعدنية والكبريتية، تختلف فى العمق والسعة ودرجة الحرارة. وقد أثبتت التحليلات المعملية احتواء الكثير من هذه الينابيع الطبيعية على أعلى نسبة من عنصر الكبريت مقارنة بالآبار المنتشرة فى شتى أنحاء العالم، كما تحتوى هذه المياه الطبيعية على عدة أملاح معدنية وبعض المعادن ذات القيمة العلاجية مثل كربونات الصوديوم ونسب متفاوتة من بعض العناصر الفلزية مثل الماغنسيوم والحديد.
ولم تكن رمال مصر أقل ثراء من مياها فقد أظهرت الدراسات احتواء الكثبان الرملية بالصحراء المصرية على نسب مأمونة وعظيمة الفائدة من العناصر المشعة، وقد أدى العلاج بطمر الجسم أو الوضع المؤلم منه بالرمال لفترات مدروسة ومحددة الى نتائج غير مسبوقة فى عدة أمراض روماتزمية مثل مرض الروماتويد والآلام الناجمة عن أمراض العمود الفقرى وغير ذلك من أسباب الألم الحاد والمزمن.
ورغم ما تتمتع به مصر من مقومات طبيعية هائلة لا تنافسها فيها دولة أخري، فإن السياحة العلاجية تعد من الملفات المهملة والمنسية منذ سنوات طويلة، حيث مازال العائد من هذا القطاع متدنيا للغاية.
فبشكل عام، تمتلك مصر مقومات طبيعية هائلة في مجال السياحة العلاجية، لكننا لم نستغلها بالشكل الأمثل حتي الآن، بالرغم من معرفتنا بحجم إنفاق السياح حول العالم علي السياحة العلاجية، ولا سيما العرب، حيث بلغت حجم الإنفاق على السياحة العلاجية من دول الخليج مبلغ 27 مليار دولار من اجمالي 100 مليار دولار علي مستوي العالم، عام 2015، حيث تمثل السياحة العلاجية 10% من اجمالي حركة السياحة العالمية، ويتميز السائح في السياحة العلاجية عن السائح العادي بطول فترة إقامته.
من هنا، كان علينا أن نسلط الضوء على أبرز مناطق الاستشفاء بالطبيعة في مصرنا الغالية:
– سيناء .. حمام فرعون
تقع حمامات فرعون على خليج السويس على بعد 250 كم من القاهرة، وهى مجموعة ينابيع للمياه الكبريتية الساخنة تبلغ درجة حرارتها 27 مئوية، وتتدفق من جبل حمام فرعون على هيئة بركة بقوة 3000 متر مكعب فى اليوم الواحد على وجه التقريب، وتمتد على الشاطئ بطول 100 متر، وهى ملاصقة لمياه البحر، ويوجد أعلاها كهف صخرى منحوت بالجبل يستخدم كحمام ساونا طبيعى نظراً لانبعاث الحرارة من المياه الساخنة الكبريتية من اسفل الكهف الى أعلاه.
وبتحليل المياه من حيث خواصها الكيميائية والبكتريولوجية والطبيعية، ثبتت صلاحيتها وفعاليتها الممتازة فى علاج الكثير من الأمراض، وأهمها الروماتويد والروماتزم بشتى أنواعه، وأمراض الجهاز الهضمى، وأمراض الكلى، وحساسية الرئة، وأمراض الكبد، والأمراض الجلدية، وإصابات الملاعب.
– رمال سفاجا السوداء
أثبت التحليل المعملى لرمال سفاجا أن بها ثلاث مواد مشعة بنسب غير ضارة وهى اليورانيوم – الثوريوم – البوتاسيوم بنسبة 40 % إضافة الى احتوائها على أغلب العناصر الفلزية المعروفة مع ارتفاع فى كمية أملاح الذهب التى تستخدم فى علاج مرض الروماتويد والالتهابات المفصلية المزمنة والحادة والتورم والارتشاح المفصلى (مياه المفاصل) وعقد الجلد خاصة بالمرفقين والالتهابات الجلدية المصاحبة للروماتويد.
– العيون الكبريتية بالواحات البحرية
يوجد بالواحات البحرية نحو 400 عين للمياه المعدنية والكبريتية الدافئة والباردة، التى اثبتت البحوث العلمية، قيمتها العلاجية فى أمراض الروماتيوم والروماتويد والأمراض الجلدية، مما يؤهلها لأن تصبح من أهم المنتجعات العلاجية فى العالم لتميزها بالمناخ الجاف المعتدل والشمس الساطعة طوال العام.
والواحات البحرية ذائعة الصيت لدى سائحى وسط وغرب وشمال أوروبا الذين يقصدونها للاستشفاء وخاصة فى منطقة عيون بئر حلفا ذات المياه الدافئة التى تبلغ درجة حرارتها 45 مئوية، ومنطقة عيون القصعة ( 30 – 40 مئوية)، ومناطق الآبار الرومانية التاريخية وبئر البشمو الشهيرة التى تستمد ماءها من مصدرين أحدهما بارد والآخر ساخن ينتهيان الى مجرى صخرى عميق واحد.
– سيوة .. والعلاج بالدفن في الرمال والعيون الساخنة
تقع سيوة الى الغرب من مرسى مطروح بنحو 300 كيلومتر، وتحتل موقع الصدارة من بين الأماكن المثلى للسياحة العلاجية والاستشفاء الطبيعى بمصر، وتتميز بالهدوء الشاعرى الساحر، ونقاء الجو، وصفاء السماء، واعتدال درجة الحرارة.
جبل الدكرور:
يقع فى الجنوب الشرقى من واحة سيوة، ويعتبره مواطنو سيوة جبلاً مقدساً، ويقيمون عليه احتفالاً سنوياً فى شهر أكتوبر من كل عام بعد موسم الحصاد (موسم الوادى) يستغرق ثلاثة ايام ويشترك فيه جميع الأهالى.
اكتسب الجبل عند الأهالى منذ قديم الأزل أهمية علاجية فى الأمراض الروماتزمية وآلام المفاصل والشعور العام بالضعف والوهن.
ويقوم على العلاج شيوخ متخصصون فى طمر الجسم بالرمال (العلاج بالدفن) لفترات تتراوح بين ربع الساعة ونصف الساعة يومياً على امتداد أسبوعين فى أشهر الصيف، خلال ساعات محددة من النهار.
وقد ذاع صيت هذا النوع من العلاج البيئى، حتى صار جبل الدكرور مقصداً مشهوراً للسياحة العلاجية يتردد عليه المصريون والإخوة العرب والأجانب على حد سواء.
العيون الساخنة:
كما تنتشر فى واحة سيوة عيون المياه المعدنية التى تستخدم للعلاج الطبيعى من عدة أمراض، مثل الصدفية وأمراض الجهاز الهضمى والأمراض الروماتزمية.
واشهر هذه العيون وأهمها جميعاً بئر كيغار التى تبلغ درجة حرارة مائها 67 مئوية وبتحليل مياه هذه البئر وجد أنها تحتوى على عدة عناصر معدنية وكبريتية تماثل العيون المعدنية بمنطقة كارلو فيفارى التشيكية الشهيرة التى يقصدها السائحون من شتى انحاء العالم كمنتجع للعلاج الطبيعى.
– آبار ناصر فى الخارجة
تعتبر مجموعة آبار ناصر من أفضل مسابح العالم فى علاج أمراض الجهاز الهضمى والروماتويد والامراض الجلدية، حيث تبلغ درجة حرارة المياه فيها حوالى 28 درجة مئوية صيفا وشتاءا، وتتجمع مياه المسبح من ثلاث آبار مختلفة وتبعد حوالى 18 كيلوم متر عن جنوب الخارجة.
– جزيرة إلفنتين فى أسوان
يتجه الكثير من السياح من كل أنحاء العالم لمدينة أسوان حيث الآثار الفرعوينة القديمة وجزيرة سهيل والنوبة وغيرها من الأماكن الطبيعية الساحرة والأثرية التى تشكل تاريخ مصر الفرعونى ولكن تعتبر أسوان من أهم المناطق التى توفر علاجات طبيعية للعديد من الأمراض أشهرها جزيرة إلفنتين حيث العلاج عن طريق الدفن فى الرمال فى الفترة من شهر مارس وحتى شهر أكتوبر نظرا لأرتفاع درجة الحرارة كما تتمتع أسوان حسبما أفادت الدراسات الطبية بإنخفاض كبير فى نسبة رطوبة الأشعة فوق البنفسجية التى تفيد فى علاج أمراض الكلى والجهاز التنفسى أيضا.
– الاستشفاء بالأعشاب البرية بالفرافرة
تنتشر بواحات الوادى الجديد مجموعة رائعة من النباتات والأعشاب البرية التى يمكن استخدامها فى الاستشفاء , ومنها :
العشار والكركديه والنعناع والدمسيسة:
وجميعها يستخدم فى علاج الروماتيزم، يضاف الى ذلك استخدامات النعناع فى أمراض الجهاز الهضمى والمغص بشتى أنواعه.
الإجليج:
بلح السكر، الذى يستخدم فى علاج مرضى السكر.
الحنضل:
وهو نبات مر الطعم، يستخدم موضعياً لعلاج الآلام الروماتزمية بواسطة تسخين الثمرة وقطعها الى شطرين ثم وضعهما على موضع الألم.
عبد العزيز الشناوي