تضفى مهرجانات السينما الاقليمية ، إفريقية أوعربية أحيانا ، أبعادا اجتماعية تفتقدها مهرجانات السجاد الأحمر ، والفخامة المزيفة ، إلا أننا بتنا نخاف من شيوع روح “” بوليود ” و ” نيوليود ” التى تشغل بال عدد من السينمائيين العرب والأفارقة ، فبدلا من أن تأمل فى مزيد من البحث عن الهوية فى السينما ، ومساهمتها فى التنمية الثقافية فى بلادنا ، فقد نفاجأ بانهيار آمالنا تحت مظلات ” هوليود ” و “كان” ، وغيرها ، ساعتها لن تعبر السينما عن هوية ” العزيمة ” وتنمية ” استوديو مصر ” للصناعة والهوية على السواء ، ولن تسهم فى أجواء العولمة ومنتجاتها فى تطور اقتصادى أو اجتماعى ، بسبب بحث الكثير من الفنانين عن الانتاج المشترك مع أوربيين على المستوى الإفريقى ، أو رغبة المنتجين فى الوصول ل “كان ” بأى ثمن على المستوى العربى …
وأنا أحشر نفسى فى هذا الموضوع لعدة أسباب ؛ من الطريف أن أذكرها :
أولا : أنى كنت مدعوا مؤخرا لحضور مهرجان السينما الإفريقية فى الأقصر ، وما يقدمه القائمون عليه من جهد فى جمع نجوم أفريقيين حقيقيين ( موسى تراورى ) ، وشباب سينمائيين منتجى الأفلام القصيرة ، فى عملية اختلاط عربى إفريقى يندر توفرها فى المؤتمرات الرسمية من مؤتمرات التعاون العربى الإفريقى ، وهذا يحتاج لدراسة وممارسة حقيقية .
ثانيا : أنى كنت مكلفا بورقة صغيرة ، عن ” مانديلا ” و ” عبد الناصر” اللذين أُعلن تكريم إسميهما فى ” الفستفال ” خلال الندوة الثقافية التى ينظمها لأول مرة غير المحاضرات الموضوعة . وركزت فى ورقتى على ” دور الزعماء الكارزميين الوطنيين ” فى تنمية قيم بارزة فى مجال الثقافة السياسية التى تحتاجها أجيالنا الشابة ، ليدركوا من وراء ذلك قيمة المخططات الوطنية ، لهؤلاء الزعماء فى دفع حركة التنمية التعليمية والثقافية والفنية ، إلى جانب السياسية .
ثالثا : أنى حضرت اتفاقا مبدئيا بين مدير المعهد الثقافى العربى الإفريقى فى ” باماكو ” ، والمؤسس من قبل منظمة الاتحاد الإفريقى والجامعة العربية ، للإعداد لمهرجان عربى إفريقى مشترك كعمل ثقافى وفنى هام ، أقدر أنه يعطى هذه العلاقات التى باتت متواضعة دفعة مختلفة .
وفى هذه المناسبة قدم د. الصوفى مدير المعهد ، قادما من باماكو خصيصا لحضور المهرجان ، وتقديم فكرة المهرجان المشترك ، وتقديم جائزة مالية لأحسن فيلم فى المهرجان ، بل وأحاطونى شخصيا بالاحتفاء بى ، وتقدير معاونتى للمعهد فى وضع استراتيجية ، وانتاج مجلدين عن ” تراث اللغات الإفريقية بالحرف العربى – العجمى ) كأفضل انتاج للمعهد .
فوجئت بالمهرجان والمتحدثين فيه بتقديم نيجيريا وتنزانيا كأكبر منتجى الأفلام الطويلة والقصيرة فى القارة ، بما بات يشكل جزءا من تفاعل الاقتصاد الوطنى ، وعمالة الشباب ، والصناعات الخفيفة ( لأن معظمها تسجيلى أو توثيقى قصير ، بل ان رواندا بدأت تخرج عن أفلام المجزرة إلى عوالم جديدة حديثة .
ولم يقصر المهرجان فى عرض أفلام تواصل التراث الاجتماعى ، والهوية الإفريقية التى ما زالت تقدم سيرة “السلف الصالح “الذى يورث الشجاعة ، ويقترب من التحديث ، ولا يجعل الدين أداة للتراجع ، وقدم ذلك من قبل دول مثل تنزانيا ( مفترق الطرق) ، وبوركينا فاسو ” ولاى” ، كما قدم الفيلم المصرى السابق عرضه ( يوم للستات ) ؛ إما بمناسبة يوم المرأة العالمى ، أو تأكيدا للدور الصاعد للمرأة فى إفريقيا والوطن العربى بحثا عن تحرير المرأة .
فى فيلم هام من تونس ( الرياح الشمالية ) ، تظل معالجة كارثة حركة الشباب على شاطئ المتوسط قائمة بصراعات الرغبة الرأسمالية الأوربية فى الاستغلال وبين الرغبات الشبابية فى العمل الأوربى ، وإذ بالأوربى ينقل المصنع إلى تونس لاستغلال الأيدى العاملة الرخيصة .
اذن ما زالت سوسيولوجيا السينما التى سبق أن كتبت عنها تحتاج لمزيد من الدراسات ، كما يحتاج مديرو مهرجان الاقصر للسينما الإفريقية إلى التحية ، بما نأمل أن يتكرر فى أكثر من عاصمة عربية وإفريقية .