رواية «فارس» – بقلم أسماء خلف
الفصل الثالث
… تفاجأ فارس بتلك المرأة تقف عند البوابه .. أخذ فارس يفرك عينيه .. ونظر مجددا .. لعلها تختفي من أمامه .. ولكن لازلت واقفه تنظر إليه .. نظره طويله .. كانها تربد إخباره شيئاً .. كاد فارس يجن .. عندما رأها .. نهض فارس مضطرب الخطيى .. يسير ناحيتها .. مرددا بصوت متهدج يملئه الخوف .. “ليلى” .. ولكن كيف بها تكن ليلى وهو يعلم علم اليقين أنها ليست هى؟!
عندما بلغ تلك البوابه .. نظر إلى عينيها .. التي كانتا تتمتعان بشئ من الحده .. وأخذ يقول: انتي مين؟ .. مستحيل انك تكوني ليلى …لأن ليلى…..
ولكن أسرعت تلك المرأه وأمسكت يديه .. انتابته القشعريره .. وأخذ يبعد يدها .. ولكن دون جدويى.
فكانت قوه يديها شديده تفوق قوه المئة رجل .. ولكن ما هذا؟! أين المنزل؟! .. أين تلك المرأة؟! .. وماهذا الظلام في وضح النهار؟!
يا له من سكون! .. أخذ صوت الموسيقي يجوب المكان .. إنها تلك الموسيقي نفسها .. ولكن من أين مصدرها؟!
بدأت الرؤيه تتضح قليلاً … ربما حن أحدهم على فارس، وأشعل الإضاءه قليلاً .. قليلاً جداً .. فقد كانت الإضاءه خافته للغايه .. بحيث لم يستطع تمييز أين هو.
ظل فارس ينظر هنا وهناك .. لعله يجد منفذاً يخرج منه .. ولكن دون جدوى.
وفجأة .. إذا برجل يظهر أمامه.
كانت معالم ذلك الرجل مبهمه تماماً بالنسبة لفارس .. لم يستطع تمييز أي منها .. فقط ذلك الخاتم المخيف الذي كان يلمع في إصبعه.
أخذ ذلك الرجل يقترب من فارس أكثر فأكثر.. بشئ من الخبث.
بدت علامات القلق تظهر علي وجه فارس .. فعلي الأرجح ذلك الرجل لا يريد به خيراً .. كانت قدما فارس لا تستطيعان حمله .. فجثا علي الأرض .. ولكن ياللعجب، فقد تخطاه ذلك الرجل كأنه لم يلحظه!
تنفس فارس الصعداء وهدأ روعه قليلاً .. ولكن ما هذا؟! أليس ذلك منزل ليلى؟! .. وها هى تلك ليلى في الشرفة؟!
ولكن مهلاً .. ذلك الرجل يقترب منها .. ببطء وبعض من الحذر .. فقطعاً هو ينوي على شئ ما.
اتسعت حدقتا فارس .. وانتابته حالة من الذهول .. لم تلحظ ليلى ذلك الرجل .. حاول فارس أن يحذرها .. وأخذ في الصراخ .. ولكن دون جدوي .. فقد كان صوته غير مسموعاً لكليهما .. وكأنه كان في عالم لا يسمع فيه إلا صوت السكون فقط! وأيضاً صوت تلك الموسيقى المرعبة!
فجأة .. وبدون مقدمات .. حمل ذلك الغريب ليلى وألقاها من الشرفة لتسقط جثة هامدة علي الأرض .. ولكن ما هذا الهراء؟! .. ألم يُكتب في الجرائد أن ليلى هى من انتحرت لمرورها بحاله نفسيه مستعصية؟!
ظل فارس واقفاً مكانه .. يصرخ .. ويحاول إنقاذ ليلى من ذلك الغريب .. ولكن لا فائده من كل ذلك.
وفجأة .. اختفي الرجل .. واختفى كل شئ .. ولكن، عاد الظلام مرة أخرى .. ولكن هذه المرة كان الظلام أشد من ذي قبل.
أغمض فارس عينيه .. لعله يعود من حيث أتى .. وإذا به يسمع صوتاً ينادي: فارس .. يا فارس.
بدأ الصوت غامضاً في البداية ثم بدأ في الوضوح .. إنه صوت خالد .. وما علاقة خالد بكل هذا؟!
فجأة .. أحس فارس بأنه يسقط من أعلى جبل .. وعندما فتح عيناه .. وجد خالد أمامه يقول: إيه اللي موقفك عندك يافارس؟!
ظل خالد يكرر كلماته تلك .. ولكن كان فارس في عالم آخر .. ثم رفع الأخير رأسه، ونظر إلى صديقه نظرة طويلة، كان يرتجف كمن أصابه جن .. ولكن سرعان ما نفض برأسه .. كأنه يحاول أن يبعد كل تلك الهواجس ليعود إلى واقعه.
نظر خالد إلى صديقه نظره تعجب قائلا: مالك يافارس؟
انتظر فارس قليلاً ثم أجابه: أنا فين؟
خالد باستغراب: فين؟! .. سلامتك يا فارس .. احنا في بيتك.
فارس: في بيتي؟! إزاي؟!
خالد: مالك يا فارس؟ انا كنت بنادي عليك من بدري وانت مش بترد.
فارس: بتنادي عليا من بدري؟! .. يعني .. يعني انا كنت هنا من بدري؟!
خالد: لا .. انا كده هبتدي اقلق عليك يا فارس.
فارس محاولاً إبعاد الظنون عن صديقه: لا .. خلاص يا خالد .. ماتخدش في بالك .. الظاهر اني عيني غفلت شوية.
خالد: عينيك غفلت وانت واقف؟! .. وكمان واقف عند البوابة؟!
فارس: ما أنا مكنتش نايم .. بمعني نايم .. كنت سرحان شويه.
خالد: خير يا فارس.
فارس: لا .. خير .. خير جداً .. مش يلا ندخل جوه؟
خالد مستغربا: يلا.
دخل الصديقان الي المنزل .. وذهب خالد ليعد طعام الغداء .. واستلقى فارس على الأريكة واغمض عينيه .. ومن هنا أخذت الأفكار تنهال عليه .. هل يعقل ما حدث؟ .. هل ما رآه كان حقيقياً، أم أنها مجرد أوهام نسجها عقله؟ أم أن ذلك من تأثير تلك الكدمات على رأسه؟! أم أنه مجرد حلم؟! ولكن كيف للإنسان أن يحلم وهو مستيقظ؟!!!
سحقاً للعقل .. فهو دائماً ما يحاول إبعاد الحقائق عنا ويفسر الأشياء كما يهوى.
أخذت تلك الأفكار بفارس إلى نوم عميق .. نام قرابة ثلات ساعات .. وأخيراً فتح عيناه قليلاً .. وأخذ ينهض رويداً رويداً، فقد كان رأسه يؤلمه قليلاً .. وبدأ يتذكر ما رآه عندما كان عند البوابهة.
وفجأة .. إذا به يسمع طرقات خفيفه .. من وراء الباب .. وإذا بالمقبض يتحرك ببطء .. تسارعت دقات قلب فارس .. وظن أن مشهد المشفى سيتكرر مره أخري .. ولكن سرعان ما فُتح الباب .. ليرى خالد .. كان هو صاحب تلك الطرقات .. نظر ناحيته وكأن قلبه رد إليه .. وقال: هو انت يا خالد؟ إيه اللي طلعك بره؟
خالد: أيوه أنا .. روحت بيتي جبت شويه حاجات .. وعديت على السوبر ماركت .. اشتريت شوية طلبات بما إني قررت أقعد عندك اليومين دول.
فارس: ممممم .. وإيه كل الكتب اللي في إيدك دي؟
خالد: دي شوية روايات على شويه كتب بتسلى فيهم.
فارس: كتب؟ .. وكأنه تذكر شيئاً مهماً عندما سمع تلك الكلمة .. ولكنه لم يتذكر ماذا كان فلم يبالي.
أخذ خالد كل تلك الأغراض ووضعها في مواضعها .. بينما فارس ذهب يعد شيئاً لتناوله .. ومن ثم أخذ الصديقان يتسامران .. إلى أن جاء وقت النوم.
لم يستطع فارس أن ينام .. وأخذ يفكر في تلك المرأه مرة أخرى .. ولكن في النهايه غلبه النعاس.
ها هى الساعه الثانية بعد منتصف الليل .. استيقظ فارس ليروي ظمأه .. كان الليل ساكناً جداً .. وكانت إنارة المنزل مطفأة .. كل شئ كان هادي .. هادئ بطريقه مخيفه .. اقترب من الثلاجة وتناول زجاجة مياه ووضعها على فمه .. ولكن سمع صوت يأتي من خلفه .. ويقول في غلظة وبعض من الترهيب: “مش هيروي عطشك غير البير اللي مليان بدم الناس .. ولا هترتاح إلا لما تسمع صرخاتهم جاية من كهف الموت”.
التفت فارس خلفه بشئ من الخوف والدهشة فهذا الصوت مألوف جداً لفارس .. بل كان يعرفه حق المعرفه .. إنه صوت خالد!
نظر فارس إلى خالد نظرة يملأها الذعر .. فقد كانت ملامحه مشوهه تقريباً .. وعيناه سوداوتان تماماً .. حتي انه لا يستطيع تمييز القرنية أو الحدقة .. وبدأت الدماء تسيل من عينيه.
في تلك اللحظه .. تسارعت دقات قلب فارس .. وظلت قدماه ترتجفان .. حتى أنها لم تسطيع حمله .. فوقع مغشياً عليه.