رواية ملاك في الجحيم – بقلم يا سمين علام
الفصل الثالث
تملك الخوف رحمه من ذلك الرجل، فنظراته أقرب إلى نظرات تلك المرأة التي تراها تقف خلف الستائر الشفافة وطريقة حديثه مخيفة، فقد ظل ينظر إليها لفترة طويلة وعلامات الضيق تنتشر علي وجهه، ثم تحدث إليها في ضجر…
متولي بضيق: اه .. أدخلي.
وقفت رحمه لثواني قليلة، تفكر هل تعود إلى منزلها أم تدخل لتروي الأزهار، ولكنها دخلت مسرعة.
رحمه وهي تسأل نفسها: هو بيكلمني كدة ليه؟! … أما أدخل أسقي وأخرج على طول…
دخلت رحمه .. واهتمت بالبذور، واعتنت بها .. وعندما همت بالخروج، رأت نفس السيدة تقف خلف الستائر الشفافه في المنزل وتنظر إليها فانصرفت إلى منزلها وهي تشعر بالخوف والحيرة.
فالخوف من تلك المرأه والحيرة من تلك المرأه أيضاً .. من تكون؟ ولماذا تنظر لي بهذه النظرة التي لا أعرف تفسيرها؟!
ذهبت رحمه إلى منزلها، وصعدت الي غرفتها .. أبدلت ملابسها وجلست تشاهد التلفاز في غرفة المعيشة.
رحمه: داده أمينه تعالي لو سمحتي.
أمينه: حاضر يا حبيبتي.
وبالفعل دخلت داده أمينه إلى داخل غرفة المعيشة وجلست مع رحمه.
أمينه: خير يا حبيبتي؟!
رحمه: داده أنا هقولك سر بس متقوليش لحد…
أمينه: في بير يا قلب داده.
رحمه: أنا اتعرفت علي شاب اسمه طارق عايش في البيت اللي قدامنا…
أمينه ونوع من الصدمه الممزوجه بالدهشة: إيه؟!
رحمه: اسمعي بس يا داده .. الشاب ده حساه طيب جداً وكويس، وهو اللي حافظلي علي شال ماما، وهو اللي ساعدني علشان أنزل من على الشجرة.
أمينه: وبعدين …؟
رحمه: مش عارفه يا داده .. حاسه إن البيت ده فيه سر كبير .. طارق إنسان كويس و……..
أمينه وهي تقطع حديث رحمه: انتي دخلتي جوه البيت؟!!!
رحمه: لا.
أمينه: بصي يا بنتي .. انتي اهتميتي بالحاجة الخارجيه فقط .. شوفتي واحد كويس فاعتقدتي إن البيت كله كويس، إنما لو دخلتي جوة مش هتبقي مبسوطة.
رحمه: طب إزاي واحد كويس زيه عايش في بيت زي ده؟!
أمينه: أنا عمري ما شوفت الشاب ده يا بنتي علشان أحكم إذا كان كويس ولا لأ.
رحمه: مممممم
أمينه: إنسي البيت ده يا بنتي .. حتي لو هو كويس زي ما بتقولي .. فكويس لنفسه .. إنما اللي جوه البيت مش حساهم كويسين .. وجايز هو متعود عليهم.
رحمه: حاضر يا داده.
أمينه: ربنا يريح قلبك يا بنتي.
رحمه: ممكن تعمليلي شاي يا داده؟
أمينه: عيون داده .. خمس دقايق ويبقى عندك.
خرجت أمينه .. وظلت رحمه تشاهد إحدي الأفلام في التلفاز .. وأخذت تفكر جدياً في كلام داده أمينه…
رحمه لنفسها: هل طارق كويس أو وحش؟ … طب لو هو كويس كدة، عايش ليه في البيت ده اللي كل الناس بتقول عليه كلام مش كويس؟ وإيه دخله في موت ماما؟! … مش عارفه!
صعدت رحمه إلى غرفتها .. وأخذت تنظر من شرفتها علي البيت الأسود إلى أن رأت طارق يدخل إلى المنزل ويقف أمام المكان المخصص للبذور وينحني تجاه البذور ويتحسسها.
دخلت إلى الغرفة سريعاً، وقلبها يكاد يقف من فرط انفعاله ودقاته، ولكنها عزمت أن تمحيه من ذاكرتها، وألا تعطي فرصه له أن يتحدث معها.
في اليوم التالي .. كان يوم الجمعة فالجميع في عطلة.
في غرفة الطعام
محمد: رحمه .. أنا هنزل القاهرة النهاردة عندي حاجات عايز أعملها.
رحمه: حتي اليوم الأجازة يا بابا نازل القاهرة؟!
محمد: معلشي يا رحمه .. بس ده شغل جالي فجأة.
رحمه: هترجع إمتي يا بابا؟
محمد: مش عارف .. بس احتمال أرجع بليل زي العادة.
رحمه بضيق: توصل بالسلامه يا بابا.
محمد: فين بوسة بابا؟
قبلت رحمه والدها وانصرف…
وكالعادة ذهبت رحمه إلى البذور الموجودة في حديقتها، فرأت أنها قد كبرت قليلاً .. فرحت كثيراً لوجود هذه الورود الجميله التي تحبها.
وعندما همت بالذهاب إلى المنزل الأسود، أخذت تفكر جيداً في كلام داده أمينه … ولكنها قررت أن تذهب إلى هناك.
استاذنت من عم متولي … ودخلت إلى الحديقة الخاصة بالبيت الأسود، وأخذت تهتم بالبذور.
في تلك الأثناء، رأى طارق رحمه من شرفة حجرته الموجودة في الدور الأول تقف عند المكان المخصص للبذور .. خرج سريعاً إلى حيث تقف.
طارق: أخيراً شوفتك.
رحمه بخضه: ها؟
طارق: أنا كنت كل يوم آجي هنا وأشوف البذور الجميله اللي زرعتيها والحمد لله بدأت تطلع.
رحمه: عن إذنك والتفتت لتذهب إلى منزلها.
طارق وهو يسرع للوقوف أمامها: إستني بس.
رحمه: لو سمحت عايزة أروح.
طارق: إستني بس.
رحمه بانفعال: أفندم..؟
طارق: أنا عملت حاجه تزعلك؟!
رحمه: لأ .. ليه؟
طارق: أصلي شايف إنك مش طيقاني ومش عايزة تتكلمي معايا!
رحمه: واتكلم مع حضرتك ليه؟!
طارق: خلاص يا سيتي .. متتكلميش .. أنا جاي أساألك علي زهور بيتنا .. أخبارها إيه؟ كويسه؟
رحمه: اه كويسة .. ممكن أمشي؟
طارق: مادام بتردي على الزهور بس … وانحني طارق تجاه الزهور: إنتي يا زهرة، إسألي آنسة رحمه .. إنتي كويسه؟ … هى بتحبكم ومش هترضى تزعلكم.
رحمه وهي تنظر في الاتجاه الآخر .. ابتسمت ابتسامة خفيفة لكلام طارق.
طارق: أخيراً ضحكتي؟ حرام عليكي … إسأليها يا زهرة منك ليها .. أخبارها إيه؟ ومش طايقاني ليه؟!
رحمه رأت تلك السيدة تقف خلف الستائر الشفافه مرة أخرى .. فأخذت تنظر إليها كثيراً .. فلم تستمع إلى كلام طارق.
وقف طارق خلف رحمه: إنتي روحتي فين؟ أنا بكلمك .. قصدي الزهور بتكلمك.
رحمه: ……………..
طارق: آنسه رحمه .. فيه حاجه؟!
رحمه وهي تلتفت إليه: لا مافيش .. ممكن أستأذن بقى؟
طارق: نفسي أعرف ليه المعامله الوحشة دي؟ إنتي شوفتي مني حاجة تضايقك؟!
رحمه: ملوش داعي الكلام ده .. أنا باجي أرعى الزهور لأني بحب الزهور والورد جداً.
طارق: يا سيتي تعالي إرعي الزهور .. ومش هتشوفيني تاني .. إرتحتي؟
رحمه: ماشي .. عن إذنك بقى.
طارق: اتفضلي.
وقف طارق يتابع رحمه حتي غابت عن الأنظار داخل بيتها.
وقفت خلف الباب وقلبها يكاد يتمزق من فرط انفعاله.
أخذت تحدث نفسها: أكيد بيمثل عليها الحنيه والطيبه .. إنما هو شرير.
رأت أمينه رحمه وهي تقف وتستند بظهرها علي باب المنزل…
أمينه: مالك يا بنتي؟
رحمه: مفيش يا داده .. أنا طالعه أوضتي.
أمينه: خير يا بنتي؟ إحكيلي.
رحمه: مفيش يا داده.
صعدت رحمه إلى حجرتها .. ودخلت إلى الشرفة .. فرأته مازال يقف بجانب الزهور وعيناه علي المنزل .. بعد دقائق ذهب وجلس علي أحد المقاعد الموجودة في الحديقة.
رحمه لنفسها: انت شرير ولا مش شرير؟ تصرفاتك طيبة بس مش واثقة إن البيت ده يضم حد طيب .. ده كفاية نظرات الست الغريبة دي.
بينما طارق جلس يفكر في أمر تلك الفتاة: لماذا تكون هادئة في بعض الأوقات وتكون عصبيه في بعض الأوقات؟! … وأخذ يحدث نفسه: أنا عايز أعرف البنت دي مالها بالظبط .. مرة هادية ومرة مش طايقاني .. ومرة بتتكلم معايا ومرة بتصدني .. نفسي أعرف البنت دي مالها! … شكلك وقعت ولا الهوا اللي رماك؟!!!
في اليوم التالي
قررت رحمه ألا تذهب إلى المنزل .. وتعطي عم متولي ورقة لكي يعطيها لطارق تحتوي على طريقة الحفاظ على الزهور .. وأنها لن تعود مرة أخرى.
في الصباح قامت بتجهيز الورقة .. وانصرفت باكراً في الساعة السادسة دون علم والدها أو داده أمينه، إلى عم متولي الذي كان يحرس المنزل من الساعة السادسة صباحاً حتي الساعة الثانية عشرة ليلاً .. وأعطته تلك الورقة .. وطلبت منه أن يوصل تلك الورقة إلى طارق…
أخذ عم متولي الورقه منها … ولكن ما خفي كان أعظم…..