في البطاطس
صديقي دانيال دي لويس
منذ أشهر قليلة مرت مصر بأزمة عنيفة جديدة ألَّا وهى شَحّ البطاطس من الأسواق! انتهت بالقبض على محتكريها، وتوفيرها بكميات وأسعار شبه مخفضة.
ما أريد التحدث عنه ليست أزمة البطاطس، ومحتكريها وجهود الدولة لتوفيرها سريعا حتى لا يتأزم المواطن؛ بل كيف أصبح الشارع المصري لا يتحدث إلَّا عن البطاطس وكأن عدم توفيرها سيعود بنا إلى حكم الهكسوس، وأن من سيوفرها سيكون أحمس الثاني!
لقد أعطينا البطاطس حجما أكبرا من حجمها، أصبحت موضعا نقاشتنا اليومية، وكيف لا يمر يوم دون أن نتناول صينية البطاطس بالصلصة على مأدبة الغداء؟! أو هل تستطيع أي أم أن تستغنى عن صوابع البطاطس المحمرة مع وجبة العشاء بعد يوم طويل لابنها أو زوجها في الدروس أو العمل؟!.
أما الأمهات اللاتي تعدّن سندوتشات المدرسة لطفلها الذى ألتحق بأول حضانة وما زال هناك مشاعر تنغص قلبه تجاه الاستيقاظ المبكر و ترك والدته وحيدة بالبيت فتستخدم هى البطاطس الفرين فرانشز كوسيلة إغراء، وصارت برامج التوك شو لا حديث لها إلَّا البطاطس. وأن ما تمر به مصر من أزمات قادرة على تخطيها؛ تجعلها قادة على توفير البطاطس مجددا وضبط سعرها بالسوق.
لا صوت يعلو على البطاطس، وأهميتها، وحلاوة مذاقها مع الكاتشب أو المسطرد أو المايونيز أو التومية مع قليل من فتة الشاورما!.
على النقيض لم نجد أحدا من النخبة أو برامج التوك شو أو الشخصيات العامة يتحدث عن نقل معرض الكتاب الدولي من مدينة نصر للتجمع الخامس وأضراره على دور النشر و زيادة قيمة الإيجار، مع زيادة تكلفة الطبع؛ بالتالي خطوة أخرى نحو انهيار سوق النشر بمصر، وتحول دور النشر من مشروع يهدف للثقافة والربح إلى الربح فقط، فدار النشر التي لا تمتلك رأس مال يتجاوز نصف مليون لن تستطع مجارة غلاء أسعار أدوات المهنة من ورق، وطباعة و تغليف و تصحيح إملائي بالإضافة إلى أن دار النشر قد تتغاضى عن العمل الجيد إذ لم يحقق لها ربح.
كل هذا يا صديقي وأكثر تعاني منه مصر في أزمة الثقافة ، ولن تجد صوتا واحدا يشير إليه أو يعطيه اهتمام أو مساحة للنقاش لكن ستجد كل شيء مسخر للحديث عن البطاطس أو أن شحها من السوق أزمة ما بعدها أزمة وأننا بدونها لن نستطع الحياة.
و بنهاية الرسالة أحب أن أقول لك لدينا هنا مطعم بالمنصورة لا يقدم إلَّا البطاطس بأنواعها وأشكالها وأحجامها و طرق تقديمها المختلفة في منتهى الروعة
إذ حدثت صدفة كونية وقررت أن أنول شرف لقائك سأدعوك إليه لتناول وجبة العشاء هناك
صديقك البائس زكريا حجاج