“القدوة”
– تلعب القدوة دورًا بليغًا في حياة الفرد، وليس الفرد فحسب؛ بل في المجتمع بأكمله، وخاصةً المجتمعات التي لا تزال في طور النمو والبناء، لِمَ لها من حُسن وسوء، وأثارها على تحديد أفكار الإنسان واتجاهاته الدينية والنفسية والفِكرية، لأن مِن طبيعته الاختلاط والتفاعل والتشبه بمَن يحيطون بِه.
– وإن التأثر بالسلوك أقوى وأبلغ مِن التأثر بالكلام، فإن القدوة تسهم وبشكل كبير على تهذيب الفرد وبناءه، أو الخطر عليه وتدميره وهلاكه، فهي الشيء الذي نهتدي بِه للصواب أو الخطأ.
– فهناك اعتقاد في علم النفس بأن العقل الجمعي أقل تحضرًا مِن العقل الفردي، لأن الجماعة يجمعهم الصفات المشتركة، وهذه الصفات لا تمثل غير التدني في الفِكر والسطحية؛ لأن التميز دائمًا يكون في القلة وليس في الكثرة، وأن العقل الفردي المميز هو الذي تنبه وسمَع لرسالات الرسل.
– إن الله لم يحصر أسوة رسوله في صفة من صفاته أو عمل من أعماله أو خُلق من أخلاقة؛ بل جعل الأسوة أشمل لأفعاله وأقواله والإقتداء بسلوكه وأخلاقه، فإن الرسول صل الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة للعالمين جميعًا “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”
– ولقد مر على التاريخ فاتحين وقادة عظماء غيروا مجراه، فإذا أبحرت فيه لوجدت: القائد العثماني المسلم فاتح القُسْطنطينية مُحمد الفاتح، الذي نال شرفَ المديح والثناء النبويِّ, وغيره كثير كانوا قدوة حسنة، وبنوا تاريخ وأمم لا تتقهقر.
– أما عن الأسوة السيئة فهي الإقتداء بأهل السوء وإتباع طرقهم الفاحشة “إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ”
ومِن أحد نماذج الأسوة السيئة والأقوى، هي شاشات التلفاز لما تعرضه مِن إسفاف، وتأثيره على المجتمع، وبالأخص فئة الشباب، التي يكتمل فيه الشخصية والمعايير المجتمعية بالأذهان، ولنا في بعض الفنانين اللذين تعرضوا مؤخرًا لحملات هجومية شرسة لما يقدموه مِن فن مُدمر، مِن خلال إظهارهم لشخصية البلطجي على أنه بطل شعبي، وبزوغ البلطجة على أنها الطرف الأقوى في الشارع، وتقليد الشباب لهم وإعجابهم بأدوارهم البطولية المزيفة، وحتى الأطفال لم يسلمون مِنهم، وقد تعرض بعض الفنانين لهجوم شرس من النُقاد, ويجب الفصل بين القدوة بحُسنها ومساوئها عن المثل الأعلى، لأنه محل خلط في الأذهان، فإن التمييز بين المفاهيم على قدر كبير من الأهمية, فإنه لمِن بواعث نزع الثقة والأمان في النفس.. القدوة السيئة، فيحدث الشروخ والانعراج والسير عكس التيار، وخلط المفاهيم.
– تذكرت للتو قصة هذا الشاب الذي كان يُعالج مِن الإدمان وهو لم يتعدى الثامنة عشر مِن عمره، وقد رأيت بأم عيني تعنيف الأب لابنه, ريثما وجه له حزمة من الأخطاء على شاكلة انه دمر نفسه ودمر أسرته, هنا تدخلت فورا فقاطعت الأب سأله إياه “هل هذا أسلوب تربيتك لأبنائك؟” وفي الحقيقة إنني استنكرت عليه إجابته قبل أن يجيب, فأردت أن أشير إلى أن أماكن التقرح في عضد الأسرة, انه جاء من عند هذا الأب.
– إن اغلب المجتمع يراه امتزاج، كأنه زيت مخلوط بالماء، وهززناه هزًا مستمرًا حتى حسبناه اختلط وامتزج، ولكن عند وقوف الاهتزاز؛ سترى الزيت زيتًا والماء ماءً.
– فتلك هي أُمتنا التي ظننا أنها صارت كلها ملغمة بعقلٍ فج بالفساد، فوجب أن نتحول من دول شمولية إلى دول انتقالية، لأنه إذا لم يوجد الرئيس الكُفء والشيخ الكُفء والمُعلم الكُفء جاء السيئ والرديء لسد هذا الفراغ، فلابد من تقوية الوازع الديني، والمعرفي، فإن بداية الطريق الصحيح هي الله والعلم.
– إن هذا الشاب بعمر المراهقة، ويرى والده أمام عينيه يدخن بكل بساطة، أيظن ذلك الأب المعلم انه حينما يمارس عادة التدخين أمام أبناءه أنهم لم يتأثروا! بئِست تلك الأفكار, فعندما سالت ساعتئذ ذلك الشاب المراهق “هل تدخن؟” فأجابني “نعم” نظرت حينها لوالده مستنكفة, أما عن نظرتي فكانت تحمل في طيها انك أنت القدوة وهو مَن اقتدى بك -الشاب المراهق- ولكن ممنوع له، فأول ما لجأ له هو الشارع، ومِن ثم اكتشاف أصدقاء السوء والانحراف، ثم في نهاية المطاف الإدمان.
– إن الثقافية المعرفية بين الشباب، واضطلاعهم على الجوانب الإيجابية والسلبية في مختلف المجالات، وترك لهم مساحة جيدة من الحرية للتعبير عن أفكارهم، وكيف يفرقون بين القدوة والمثل الأعلى, وإن جِئنا لأهمية القدوة في أبنائنا وتأثيرها الإيجابي والسلبي على أفعالهم.
– وقبل أن تبني أُمة كاملة، تعلم أولًا كيف تبني إنسانًا، وأنه أقصر طريق لبناء الإنسان هو الفِكر، من خلال الاضطلاع والمعرفة، لابد لنا التحرر من ديماغوجية الإعلام، التحرر من منظومتها وأفكارها وقناعتها والتغلب عليها.
– كن أنت التغيير الذي تريد ان تراه في العالم-
شيرين عادل الديب