أخشى الموت
تتقافز الكلمات هربا خشية التحدث بها، إنها تتوارى من شبحه وتنزوي في الأزقة المهجورة خوفا من عثوره عليها، إنها تخشاه كما لم تخشى شيء من قبل، وكيف لا تخشاه وهو أبدي السطوة، حتى البشر يخشونه!
هكذا هو حال الكلمات طالما أردتُ الحديث عنه، ترتدي عباءة التخفي في منحنيات فكري، وتهرب بين سطور قلمى؛ فألقي رحال فكري مستسلما لسطوته،كيف لا وأنا أرغب في محادثة الموت!
الموت وسطوته:
منذ تفتحت مداركي وعرفت أن لكل شيء سطوته، ولكنها سطوة نسبية، هيمنة وهمية نخالها في عقولنا، وتلبسها أفكارنا ثوب الواقعية. لكن شذَّ الموت عن هذه القاعدة، فأضحت سطوته أبدية على كل موجود سواء حي أو غيره، يمكنك أن تلج سراديب وكهوف الملوك هربا ولكن حتما سيعثر عليك، سيشتم رائحتك ويقبض عليك. لا مجال للانفكاك منه، لا تعبث معه الغميضة فهو حذق فطن فيها، إنه سيد اللعبة بلا منازع.
عباءات الموت:
يتراوح الموت على مقياس الحياة صعودا من القلب للعقل.
ربما نحتاج لتغير شراع الكلمات، فبعض الكلمات لا تناسب ما يُطرق من موضوعات، ولكن بأي نوع أتحدث عن جوهر الوجود؟! أأطرق بابه بمنطق العقول، أم بعذب الكلمات لتناسب مادته البكر؟!.
بأي شيء أتحدث عن القلب وهو ينتزع الحياة من براثين الموت، يستنجد صارخا أيا عقل مد لي يد عونك، فإن المشاعر تحتضر وسيل دمائها يفيض بلا انقطاع. أأغير ما بي من عذب الشعور ليناسب حمق العقول، أم أقضي على طهري لأرضى عهر عصركم.
أم أني ومادتي أصبحنا سلعة عفى عليها الزمن، فلم تعد تصلح لشيوعية عهر عصركم؟!
إن موت القلب ليس فقط في توقفه، بل بتشويه جوهره، فيمسي مسخا، ولن يستمع لنجدته أحد.
تعددت الأنماط والجوهر واحد، لطالما شكل الموت نمطا واحدا، أما وقد تبدلت الأحوال وخضعت الأيام لسطوة الإنسان، فأضحت أنماطه تواكب عصره.
لن يتمثل الأمر في جسد مسجي يغطيه أديم الأرض، بل جسد نُزعت منه الروح انتزاعا، فأضحى كسائر الجمادات.
خلف شاشات زرقاء وحمراء وخضراء نعلن الحياة في أوج صورها وأبهى حليها، بينما حقيقة الكلمات تتوارى! ومن يمكنه أن يزيل عباءة التخفي عن الحقيقة، لتضحي عارية فتفضح ما بنا من عجز، واحتياج إلى الحياة أو الموت الحقيقي ليخلصنا من موهم الحياة.
سراب الوهم
لسنا نخشي الموت بقدر خشيتنا من زوال سيرتنا بين الأمم، تصبح كأنك طيف مر بسماء الكون الشاسع لبرهة من الوقت أدركه من أدركه، وتواري عمن توارى. نخشي وهم الأندثار بقدر خشيتنا من الحياة، فنفر منها إليها. واهمين متوهمين الحياة، وحذقين بأن للرحيل ميعاد، ولكن ما أمتعه من وهم وألذه من سراب.
أصرخ مستغيثة معلنة خشيتي من الموت الجزئي قبل الكلي، فليس من الفطنة أن نتواري من مخاوفنا لأنها ستصبح كالوحش السافر عن أنيابه، ومشمر عن هجومه بينما نحن ننعم في وهم الحياة.
شيماء أحمد