لازال الدم المصري يخضب أرض الكنانة يومياً.. ولازلت الدولة ترفع شعار مكافحة الإرهاب، ولكن لازلنا جميعاً نرى الكثير من الخلل في إدارة الدولة لهذا الملف.
في يوليو 2013، طلب وزير الدفاع حينها، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، أن يحصل على تفويض من الشعب المصري، لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل.. وقتها نزل الشعب المصري بالملايين، وامتلأت الميادين، وكان تفويضاً شعبياً لقائد الجيش المصري لمواجهة العنف والإرهاب.
ولكن.. الآن، وبعد مرور قرابة أربع سنوات، وقد أصبح السيسي رئيساً للجمهورية، لازالت مصر تدفع من دماء أبنائها بشكل شبه يومي، المزيد من ضحايا الإرهاب والعنف باسم الدين!
عقب عملية تفجير كنيستي طنطا والإسكندرية، إبريل الماضي، أُعلنت حالة الطوارئ في ربوع مصر.. ووقتها قيل أن الطوارئ لن تمنع الانتحاري من تفجير نفسه وقتل الأبرياء، ولم يستمع أحد!
استيقظنا اليوم، على جريمة خسيسة أخرى، اُستهدفت فيها حافلة تقل مسيحيين متوجهين إلى دير في صحراء المنيا، أغلبهم من الأطفال والنساء.. دون وجود أي تأمين! فكانت المحصلة دامية بأكثر من 30 شهيد وقرابة عددهم مصابين!
لابد وأن هناك خطأ ما… ولابد من وقفة تمحيص، لتجنيب مصر مزيد من دماء أبنائها.
لو أننا نحارب الإرهاب حقاً، ونواجهه كما تجب أن تكون المواجهة، لما تصاعدت وتيرته بهذا الشكل المرعب، ولما انتشرت العمليات الإرهابية جغرافياً بهذا الانتشار المخيف، بعد أن كان العنف قاصراً على سيناء، ها هو يصل إلى قلب القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات الجمهورية!
عقب كل عملية إرهابية، تعلو أصوات المطالبين بمحاسبة المُقصرين أمنياً.. لا شك وأن هناك تقصير، ولابد من محاسبة المسئول ولو حساب سياسي.
لو حوسب الوزير أو القيادات الأمنية، على التقصير في الحوادث السابقة.. لما تصاعدت حدة العمليات بهذا الشكل، وبهذا الانتشار الجغرافي المرعب!
عقب كل عملية إرهابية، تعلو أيضاً، أصوات العقل المطالبة، بمواجهة فكرية واجتماعية وثقافية لظاهرة الإرهاب، وعدم الاقتصار على المواجهة الأمنية، التي أثبتت أنها ليست قادرة – وحدها – على مواجهة الإرهاب.
في كل جهاز أمني في العالم، تكون مهمة جمع المعلومات هى المهمة الأهم، وإدارتها هى الإدارة الأبرز، ولا سيما فيما يخص الإرهاب والعنف.
بعد كل ما بُذل من جهد وما دُفعت من أموال، لتطوير أجهزة الأمن في مصر، لازالت الأجهزة الأمنية، غائبة تماماً عن أداء دورها الوحيد المطلوب منها.. وهو حماية المواطن المصري!
نكاد لا نشعر بوجود أجهزة الأمن في مصر، إلا في أوراق قضايا شباب القوى السياسية المدنية، الذين يتم توجيه تهم قلب نظام الحكم لهم وفق تحريات تلك الأجهزة، لمجرد أنهم يعبرون عن آرائهم بمنتهى السلمية عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بل إننا استحدثنا تهمة جديدة وهى (سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي)!
لا الكنائس آمنة، ولا الثكنات العسكرية والنقاط الأمنية آمنة، ولا الأطفال في الشوارع آمنين، ولا سيناء آمنة، ولا الصحاري آمنة… أصبح الأمان هو أعز ما يرجوه المصريون!
المواجهات الأمنية في غياب أي دور اجتماعي أو ثقافي، أصبحت عبئاً في ملف مكافحة الإرهاب.
المواجهات الأمنية، في ظل عدم وجود رؤية واستراتيجية منضبطة لمكافحة الإرهاب، باتت تزكي روح التطرف والعداء تجاه الدولة، داخل نفوس الكثير من مكونات المجتمع المصري، بما يُرتكب من أخطاء وما يحدث من تجاوز للقانون.
القتل خارج إطار القانون يبذر بذور الإرهاب.
الاعتقال والإخفاء القسري، والظلم والتلفيق والسجن بقوانين غير دستورية، أيضاً تبذر بذور الإرهاب.
الظلم الاجتماعي، والفقر، والمرض، والتمييز الذي بات عنواناً للمرحلة، يحرث الأرض لينمو فيها الإرهاب ويترعرع.
الإرهاب يترعرع ويتصاعد في مصر، بشكل مرعب… ونحن لا نحاربه بل نمهد له الطريق ليتنشر ويستمر!!!
الإرهاب فكر ينتشر في البيئة الخصبة له.. وحالة اجتماعية تسود في المجتمعات التي تغيب عنها الثقافة والفن والفكر المستنير.. الفقر أيضاً يحرث الأرض ليترعرع فيها الإرهاب.
جرائم القمع والظلم والقهر والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، والقتل خارج القانون، تخلق جميعها إرهابيين كل يوم!
ما لم تتم محاسبة المُقصرين، وتتغير السياسات، وتبدأ معالجة شاملة للإرهاب، بوضع استراتيجية حقيقية، بأيدي متخصصين، اجتماعياً وثقافياً وفكرياً وأمنياً، وبمشاركة الجميع… فلن يحدث جديد… وإلى اللقاء في الحادث القادم،،،
رحم الله كل شهداء الوطن.. وحفظ الله مصر،،،
عبد العزيز الشناوي
26 مايو 2017