نتيجة لما عانته شعوب العالم في الحرب العالمية الثانية من ويلات وقتل وتعذيب أدى إلى مقتل عشرات الملايين، إلى جانب ما تعرضت له النساء والأطفال من جرائم بحق البشرية.
لذلك وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وإنشاء الأمم المتحدة، تعهد المجتمع الدولي بعدم السماح على الإطلاق، بوقوع فظائع كالتي حدثت في تلك الحرب مرة أخرى. وكرد فعل على ما شهده العالم من معاناة في تلك الحرب، فقد قرر زعماء العالم، إكمال ميثاق الأمم المتحدة بخريطة طريق تضمن حقوق كل فرد في أي مكان أو زمان.
فكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948، الذي
وضعت مشروعه لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.
وكانت لجنة حقوق الإنسان (وهي هيئة دائمة تابعة للأمم المتحدة) مكونة من 18 عضواً يمثلون تنوعاً من الخلفيات السياسية والثقافية والدينية حول العالم، وكُلفت بالعمل على إعداد ما تم تصوره في البداية باعتباره “مشروع مبدئي للشرعة الدولية لحقوق الإنسان”.
وكانت إرادة العالم وقتها أن تكون عضوية اللجنة ممثلة على نطاق واسع من المجتمع الدولي من ممثلي البلدان التالية: (أستراليا، بلجيكا، الجمهورية السوفياتية البيلاروسية الاشتراكية، تشيلي، الصين، مصر، فرنسا، الهند، إيران، لبنان، بنما، الفلبين، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، أوروغواي، ويوغوسلافيا).
وقامت اللجنة في دورتها الأولى، التي عقدت في أوائل عام 1947، بتفويض أعضاء مكتبها لصياغة المشروع المطلوب.
واستؤنف العمل على يد لجنة صياغة رسمية، تتألف من أعضاء تم اختيارهم في ضوء المراعاة الواجبة للتوزيع الجغرافي.
كانت “إليانور روزفلت”، أرملة الرئيس الأمريكي “فرانكلين د. روزفلت” هى رئيسة لجنة صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. واشترك معها “رينيه كاسين” من فرنسا، الذي وضع المشروع الأولي للإعلان، ومقرر اللجنة، “تشارلز مالك” من لبنان، ونائب رئيسة اللجنة “بونغ شونغ شانغ” من الصين، و”جون همفري” من كندا، مدير شعبة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي أعد مخطط الإعلان، و”هيرمان سانتا كروز” من شيلي، و”ألكسندر بوغومولوف” من الاتحاد السوفيتي، و”تشارلز ديوكس” من المملكة المتحدة، و”وليام هودغسون” من استراليا.
وقُدم المشروع النهائي، الذي وضعه “رينيه كاسين”، إلى لجنة حقوق الإنسان التي كانت منعقدة في جنيف. ولذلك سمي مشروع الإعلان هذا، الذي أرسل إلى جميع الدول الأعضاء للتعليق عليه، بـ(مشروع جنيف).
واقترح المشروع الأولي للإعلان في سبتمبر 1948.
ومع مشاركة أكثر من 50 دولة من الدول الأعضاء في إعداد الصيغة النهائية.
وبموجب القرار 217 (أ) (ثالثاً)) المؤرخ في 10 ديسمبر 1948)، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس، مع امتناع ثماني دول عن التصويت ودون معارضة أحد.
وضع النص الكامل والنهائي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في فترة تقل عن سنتين. وفي وقت كان العالم فيه لا يزال منقسماً إلى كتلة شرقية وأخرى غربية. وكان من المؤكد أن التوصل لخلفية مشتركة بشأن ما ينبغي له أن يشكل جوهر الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان يعد مهمة بالغة الضخامة والصعوبة.
كتب السيد “هيرمان سانتا كروز” من شيلي، وهو عضو في لجنة الصياغة:
“لقد أدركت بوضوح أنني كنت أشارك في حدث هام بالفعل يتضمن التوصل إلى توافق في الآراء بشأن ما يتسم به الشخص الإنساني من أهمية قصوى، وهذه الأهمية لا ترجع إلى قرار صادر عن دولة عظمى، بل إنها ترجع بالأحرى إلى حقيقة وجود الشخص ذاته. مما يفضي إلى ذلك الحق غير القابل للتصرف الذي يتمثل في الحياة بمبعد عن العوز والاضطهاد مع تنمية الشخصية الإنسانية على أكمل وجه”.
منذ صدور (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، فقد أصبح بمثابة الاعتراف الدولي بأن الحقوق الأساسية والحريات الرئيسية تعد متأصلة لدى كافة البشر، وهي غير قابلة للتصرف، وتنطبق على الجميع، في إطار من المساواة الإنسانية، وأن كلاً منا قد ولد وهو، حر، ومتساوٍ، من حيث الكرامة والحقوق.
مهما كان هناك اختلاف بيننا فيما يتعلق بالجنسية أو مكان الإقامة أو نوع الجنس أو المنشأ القومي أو العرقي أو اللون أو الدين أو اللغة أو أية حالة أخرى، يلاحظ أن المجتمع الدولي قد قام في 10 ديسمبر 1948 بإعلان التزامه بتأييد حقنا جميعاً في الحياة والكرامة والعدالة.
وبناء على منجزات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقد دخل حيز النفاذ في عام 1976 العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقد أبرز هذان العهدان معظم الحقوق المكرسة اليوم، وجعلاها ملزمة بالفعل للدول التي صدقت عليهما.
وبمرور الوقت، أصبحت معاهدات حقوق الإنسان الدولية أكثر تركيزاً وتخصصاً، سواء بشأن القضايا قيد النظر أم الفئات الاجتماعية التي تتوخى حاجتها إلى الحماية. ومجموعة قوانين حقوق الإنسان الدولية مستمرة في التزايد والتطور، وكذلك في إبراز الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، مما يعني تناول الشواغل من قبيل التمييز العنصري والتعذيب وحالات الاختفاء القسري وأمور الإعاقة وحقوق النساء والأطفال والمهاجرين والأقليات والشعوب الأصلية.
حلقتنا القادمة من #مفاهيم مع نبذة عن (العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية)
عبد العزيز الشناوي
4 أكتوبر 2017