البحث عن صديق
فاطمة عمارة
تحولت صفحات الفيس بوك في الآونة الأخيرة لساحة للتحسر على الأصدقاء بان معدنهم الحقيقي وخذلوا من وثقوا فيهم، ولم يكتفي أصحاب هذه المنشورات بهذا بل لم يجدوا أي حرج من السباب العلني لهؤلاء، ورافق هذه المرحلة عدد من الأغنيات سارت على نفس النهج من كلمات لعن وذم.
رسائل مفادها لم تعد الدنيا بخير، فقد أصبح الخيانة هي أساس طبع البشر والبحث عن المصلحة يغلف كل التعاملات، لكن هل هذه هي الحقيقة كاملة دون تزييف أو نقصان؟
يختلط علينا الفرق بين الصاحب والصديق ولكل منهم درجة، فالصاحب من الفعل صحب وهو من يصحبك في المكان والزمان، قد يكون صديق أو عدو، وقد تكون الصحبة مؤقته ومرتبطة بأمر ما كصحبة سيدنا يوسف في السجن، وقد تكون دائمة كصحبة الوالدين (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، وتفيد الصحبة انتفاع أحدهما بالآخر.
أما الصديق فهي من الفعل صدق أي يصدقك الفعل والقول وصدق في محبته لك، ينصح عند الخطأ ويدعم ويشجع الصواب، ويقول في هذا سيدنا عمر بن الخطاب (رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي) وقليل من نجده أمين في النصيحة يصارحك بعيوبك دون أن يزيد أو ينقص منها ويصدُق النية في حديثه دون أي غرض آخر داخل نفسه، ويتدرج الصديق حتى يصبح خليلاً، أي حبيباً قريباً إلى القلب.
ونجد أن القرآن الكريم كان دقيقاً في هذا الشأن فوردت كلمة صديق مرتان فقط في حين تكررت صاحب وجمعها أكثر من ذلك، فمن الطبيعي أن يكون عن الأصدقاء الحقيقين أقل بكثير من الأصحاب، وما يحدث أن يعتبر البعض أي شخص يرتاح للحديث معه صديق، ويتحدث معه بمنتهى الأريحية في تفاصيل حياته الشخصية ومشاكله طالباً النصيحة والإرشاد، وبعد مدة تحدث الصدمة فمن ائتمنه على نفسه غير جدير بحمل الأمانة، فيتحول المغدور إلى ناقم على الصداقة ومعانيها ناسياً إنه كان السبب في هذا كله.
الصديق الحق هو من يتجاوز عن الهفوات ولا يجد صعوبة في العفو والمسامحة يلتمس الأعذار ويتسع صدره لسماعها، ووصف هذه الحال أبو فراس الحمداني قائلاً:
ما كنتُ مذ كنتُ إلا طوع خلاني ليست مؤاخذةُ الإخوان من شاني
يجني الخليل فأستحلي جنايته حتى أدل على عفوي وإحساني
إذا خليلي لم تكثر إساءته فأين موضع إحساني وغفراني
يجني عليَّ وأحنو صافحاً أبداً لا شيء أحسن من حان على جانِ
قد يرزقنا الله بالصديق والصاحب ويتشارك معهما في حياتنا الزميل والرفيق قد يجتمع كل هذا في شخص واحد يكون خليل لك، المهم أن تعلم المكانة الحقيقية لكل من حولك وتضع كل واحد في إطاره الحقيقي، ومهما مررت بمواقف صعبة أعرف منها المنزلة الصحيحة لهم ولا تحذف أحد من حياتك لمجرد أن تصرفه خالف توقعك فالحقيقة أن هذا التصرف بين درجتهم، وتذكر أن الخطأ دائماً من أنفسنا كما يقول الأمام الشافعي:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيبٌ سوانا
ونهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليسَ الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ ويأكلُ بعضنا بعضاً عيانا