كتبت – دنيا على
“الخوف لا يُشرَح.. مثل الله لا يُفسَر.. الخوف هو فقدان الحرية.. انعدام الحرية”، نزف محمد الماغوط عصارة تجاربه في مواجهة الخوف، في أواخر أيامه استسلم للبوح في فيلم وثائقي، مستلقيًا على سرير المرض، متأهبًا للرحيل عن هذا العالم الكريه، الذي طالما عاش فيه مغتربًا، حاملًا بين جنبيه “احتياطي من الخوف لا ينضب.. متل البترول”.
طالما تطلع محمد الماغوط، ابن ضيعة “سلمية” الواقعة في حماة السورية حيث ولد في مثل هذا اليوم 12 ديسمبر من عام 1934، إلى المكوث بالضيعة والزواج من ابنة خاله أو إبنة عمه – كأي ابن ضيعة -، وأيضًا دفع بدل عسكرية لكى يعفى من التجنيد، إلا أنه انضم للحزب السوري القومي الاجتماعي دون أن يقرأ مبادئه، واستهلكه العمل بالصحافة، فلم يع موهبته في الكتابة الأدبية، إلا بعد سجنه.
“السجن متل الشجرة.. إلو شروش.. شروشه بتروع ع القصيدة.. ع المسرحية.. ع الفِلِم.. بتروح ع التم اللي عم تقبليه.. ع الصدر اللي عم ترضعي منو.. ع الله اللي عم بتصليلو”، وكأن الماغوط اختصر حياته في ترحاله من سجن لآخر، ذلك السجن الذي نادم فيه الوطن، وشرب نخبه، ذلك السجن الذي طلب الماغوط منه اعترافًا بانتمائه لـ “غربة”، ذلك السجن الذي أصبحت كل أيامه تشرين.
تشرين.. كان الإنتصار العظيم في السادس من تشرين “أكتوبر”، وتشرين كان اسم أول جريدة أسسها في سورية، وتشرين كان اسم الفرقة المسرحية التي أسسها مع رفيقيه دريد لحام ونهاد قلعي، وتشرين كان ضيعة في إحدى المسرحيات التي ألفها بالشراكة مع دريد لحام، وعرضت كمسلسل تلفزيوني تحت اسم “ضيعة تشرين”، فقط.. كان تشرين
“كنا بالبيت.. أنا قومي سوري.. وخيي شيوعي.. وخيي التاني من جماعة أكرم الحوراني.. وإمي بتقول على ماركس سركيس”، أصابعه المرتجفة لم تعجزها السيجارة، صدره المليء بهموم الوطن اتسع أيضًا لدخان السيجارة صاحبته الحميمة، التي احتملته ما يربو عن سبعين عامًا.
“الشام بتاخد ما بتعطي”.. إنها دمشق.. عربة السبايا الوردية، ولم يزل حتى اليوم يرقد في غرفته، يحتضن جسده تراب “الأرض الختيارة”، يكتب ويحلم، ويرنو إلى المارة، من قلب السماء العالية حيث تستقر روحه، رحل محمد الماغوط عام 2006.