إن الرجولة الحقة لا يمكن أن يصفها أحد بقدر أن تصفها انثى .. وهو ما ليس بغريبا .. فانها تصفها من واقع رؤيتها واحتياجها الأصيل .. تصفها من واقع أي معاناة تعانيها في مواجهة من اختلطت المفاهيم لديهم، بعد أن تعثر الطريق بها وبه وبات النقصان هو السائد من الأمور.
ولو سُئِلت إمرأة لقالت: أحتاجك قويا لي، لا علي.
أحتاج أن تدعمني قوتك، وتكون لي ظهراً وسندا في عالم تغول الذعر فيه وأصبح الخوف يعيش تحت جلدي.
أحتاج يداك القويتان حين يختل توازني فتتلقفني تلك اليدان الحكيمتان لتعيدني لرشدي وصوابي.
لتقيم عوج قد أعتل به أحيانا، عوج لا أخجل أن أعترف به في حضرتك، فأنت لا تجاهرني ولا تعايرني به ولا ترى به أي عيب.
حين أتجرد أمامك من غروري وزهوي وفرط تكبري الأنثوي، فأنا لا أخجل من ذلك لأني أطمئن لك وأراك تراه ضعفاً بشرياً انسانياً طبيعياً للغاية.
أراك تربت على قلبي قائلا اهدئي، فلا بأس من الضعف ولا بأس من أن تعبري عنه وتعيشيه لوهلة معبرة عن مكمن أنوثتك واطلاق سراح إنسانيتك، حتى تستفيقي بعد هذا الضعف عائدة بكل قوة لصوابك وهدوءك وحكمتك التي سأعينك عليها.
العظماء والعظماء فقط هم من لا ينكرون عظمة من يحيطون بهم، هم من لا يكرهون رؤية قوة وزهوة من أمامهم، هم من يريدون كل من حولهم أكفاء لهم لا أسياد ولا عبيد.
أريدك رحيما بي وبتقلباتي الكثيرة، فهكذا خُلِقت ولا أعرف لتقلباتي معتَدَل سوى مرفأ آمن هادئ عاقل، أركن إليه ويتحملني .. يتحملني ويصبر عليَ بصبر حكيم وحنان أب ولهفة عاشق وحمية أخ .. يترفق بي ولا ينكر كلمات سيد الخلق – عليه الصلاة والسلام – حين وصفنا نحن معشر النساء بالقوارير الرقيقة الهشة أحياناً، القوارير الشفافة التي من السهل أن ترى ما بداخلها وأن تستشف جمالها وآلامها كما لو كنت تقرأ كف يدك، القوارير التي إن ذاقت قسوتك وبطشك وانحرافك عن الحق لانكسرت وتهشمت قطعاً متناثرة لا جابر لكسرها.
أريدك عالِماً خبيراً حكيماً .. تشع منك الخبرة والعلم لترشدني وتصير معلمي وقائدي، لا أن تستخدم تلك الخبرة وذاك العلم في أن تشعرني بأنني أقل منك وأنقص منك، فلا يتعطش لإضعاف أنثاه إلا ضعيف، فالضعف الذي خلقنا الله به نحن معشر النساء كان ضعفاً عجيباً ملهماً، يشبه في مرونته كرة المطاط التي تتلون وتتشكل كلما أرادت وكيفما شكلها القدر الذي خُلِقت بداخله، فهي أمَة لك في تجليك وصدقك، وسيدة وجيشاً يدفع عنك الأذى في ذروة ضعفك واحتياجك.
هكذا خلقنا الله .. ساحرات، قويات، ضعيفات، بنا كل تناقض هذا الكون، وبهاءه، وجماله، وغوايته، وضعفه، وقوته، ووداعته، وشراسته، وسكونه، ونقصه، وكماله اللا نهائي.
أريدك حنوناً ليناً كعيسى…
مغيثاً قوياً كموسى…
ومتمسكاً بالحق كنوح…
صبوراً معي كأيوب…
استثنائياً كسليمان…
وأريدك .. بشوشاً .. جميل الخُلُق .. صادقاً .. ذكياً .. ملهما .. كمحمد – صلى الله عليهم جميعا وسلم تسليما كثيرا.
أريدك إنساناً .. كخلقتك الأولى قبل أن تشوهك الأيام، وتعبث برجولتك المفاهيم الخاطئة، فلا أنت صرت رجلاً ولا مكنتني في أن أعيش إكتمال أنوثتي في كنفك.
حين اعتلت رجولتك فأصبحت ناقصها .. انقلب ناموس الكون وانقلبت أفلاك حياتي كأنثى.
خلقك الله أولا .. ربما لتكون لي حياة، وناموساً، وقانونا، أعيش به وأتزود بحكمته في أيامي .. ربما لتكون هناك حين أُخلق فتحتضن ضعفي وشقائي وكياني المتردد .. ربما لأركن لك وأفضي إليك وأكون لك كما تحب .. لكنك تخليت عن مكمن قوتك ومكمن سحرك واحتضنت ضعفك وإستسلامك لحياة مشوهة ومفاهيم كارثية أضاعتك منِي.
ألقيت لي طُعماً .. ونصبت شركاً مؤلما، يدعى المرأة المسيطرة المستقلة التي لا تحتاج لك، وأنا التقفت الطعم بنهم لا نظير له .. فضعت أنا .. وندمت أنت.
لطالما تمنيتك منصفاً عادلاً معي، فنحن نساء الشرق ورثنا سحره وجماله .. وآثامه العظمى…
ورثنا أكثر ما ورثنا إرثاً مهلكاً من أسطورة أنتِ المشكلة وأنتٍ الحل .. أنتِ النهار وأنتِ الليل .. أنتِ من تصنعين الأجيال وأنتِ من بيدكِ خلق رجال أسطوريين ليس بهم خلل ولا ضعف ولا شائبة تذكر!!
أنتِ من تصنعين الوجود كله .. وهم ضعاف يلقون اللوم عليكِ ويرجعون اليكِ اصل العلة.
نقف متأملين جبالا من العبث .. متمنين لو بيدنا لأنهينا الظلم من العالم كله، لقتلنا الظلمة من العقول كلها، لكننا تفتقد الى رفيق عاقل يعيننا على هلاك الطريق، ويرشدنا ويتحمل معنا آثام أيام ألصقوا وزرها ظلماً بنا وحدنا .. وهو ما أراه ليس عدلاً يا رفيقي، وما لومي عليك من التباس الأمر عليك واستسلامك لتشوهات الأيام، إلا لومة محب وعتاب غريق يتلهف على التقاف طوق نجاة عز غيابه وطال ضياعه.
الحق أن الوزر لا يمكن ان يحمله أحدنا وحده .. لكن القوامة التي وهبك الله إياها لا تأتي من فراغ ولا تستلزم فراغ .. قوامة ان تنازلت عنها تنازلت عن جوهر رجولتك وتميزك .. قوامة تبنى على الخدمة والحماية، على الاحتواء والصبر والبصيرة الحقة بدورك الكبير.
إنك تتساءل ورفقاءك من الرجال ليل نهار .. ماذا تريدون يا معشر النساء؟ فها نحن نتحدث ملقين بما نراه معنى للرجولة في حجوركم .. فقد خلق الله كلانا كي تحملنا تلك الأرض الرحبة بين حناياها فنعمرها ونملكها بالحب واليقين والمساندة والعطاء فنزيد بهاءها الأول بهاءاً ونملأها خيرا كثيراً قدره الله، لها لا أن نجعلها تبادلنا عطاءنا الآثم وتلفظنا من وجهها الحزين بأفعالنا.
أنا وأنت .. لو عدنا لفطرتنا التي خلقنا الله عليها .. لو عدتَ تحملني في ضلعك الحاني، وعدتُ أتلمس هذا الحنو وتلك الرحمة لتغير الكثير من أمرنا .. لو امتزجنا معاً برحمة وود لدارت الأفلاك في مدارها الطبيعي .. لهدأت الحروب وساد السلام .. لعادت الطبيعة لهدوءها .. وسكنت البراكين .. لعدت انا امرأة … لأنك عدت .. رجلاً.