إكسبريس كوارث
من صغرى وأنا أمنية حياتى أركب قطار الشرق السريع اللى بيقطع أوروبا من شرقها لغربها، وزمان كان المواطن المصرى ممكن يركب القطر من باب الحديد فى القاهرة لغزة، ويعبر فلسطين ولبنان وسوريا، وياخد قطار الشرق السريع من تركيا لحد لندن، ويوصل بسلامة الله بدون أى مشاكل صاغ سليم، وبالعكس ده كان بيوصل ما شاء الله رادد وصحته بمب ووزنه زايد من كتر ما اتعلف فى السكة، ما هو طول الرحلة نازل هبر، إيشى أكل تركى على طليانى على فرنساوى، ويا عينى على قطاراتنا بتوع خط الصعيد، اللى قرصة الجوع فيها أجمد من قرصة ثعبان القبر الأقرع، ولما تقف على زرك عشان تدوّر على حاجة تتقوت بيها، مش ح تلاقى غير ما يطلق عليه مجازاً السميط والبيض المسلوق، ولو حاولت تركز فى شكل اللى بيبيعهم، ولا فى طريقة عرضه لبضاعته، يبقى ح تموت من الجوع، ما هو مش معقول ح تاكل سميط ملضوم فى دراع واحد لابس جلابية مقرّحة، كان لونها من عشر سنين أخضر، وتحولت بفعل عوامل التعرية إلى أصفر فى بنى مموّه زى لبس عساكر الصاعقة، وحاطط البيض المسلوق فى سَيّالته وفى السيالة الثانية دُقَّه فرط، يكبش لك بإيده التانية شوية ويحطهم فى حجرك، ويظرفك سميطة لازم قبل ما تاكلها تنفضها وبعدين تمسحها من كتر التراب اللى عليها، وانت وحظك بقى لو طلع البيض سليم، لأن العادى بتاعه إنه بيبقى ممشش، أما بقى لو عطشت، استنى بتاع الأزوزة لما يعدى بالجردل، ح تشوف أشكال من أزايز المياه الغازية، وماركات ما شوفتهاش فى حياتك، شكلها متعبية فى عربية القطر اللى قبلك، ما هو مش معقول فيه مياه غازية إسمها (بسيونى كولا)ما شبه إزازة مبيد بوليس النجدة بتاع زمان، وبرضو مفيش قدامك خيار، يا تشرب، يا تموت من العطش.
أما بقى لو حاولت، أو فكرت مجرد التفكير فى إنك تروح دورة المياه، يبقى قول على نفسك يا رحمن يا رحيم، أولاً ح تتكعور فى السكة مرتين تلاتة لحد ما توصل لأقرب نقطة منها، وده لسبب رئيسى، شبابيك القطر من غير إزاز، وكمية التراب اللى داخلة حاجبة الرؤية تماماً، والناس بتعرف بعضها من الصوت، ما هى عشرة عمر بقى، راكبين بقالهم 3 أيام مع بعض، وخلاص بقوا أهل، ح تلاقى محمدين بينادى على عوضين، وعوضين بيقول له شمالك وامشى 3 خطوات، وتفيدة بتنادى على الواد محروس ابنها،،، “انت فين يا منيل”، وصوت من بعيد شكله جاى من تحت الأرض بيرد : “أيوه يا أما أنا أهو بس شيلى اللى واقع فوقى ده”، وفين وفين على ما يسلكوا محروس من تحت بتاع الشخاليل اللى نام فوقه.
ثانياً وده المهم إنك لو ربنا سهل لك سكتك وقدرت توصل لمرمى دورة المياه، ح تبقى محتاج قناع واقى من الغازات السامة، لأن ريحة النشادر يا محترم ضاربة، أما باقى الروايح بقى فدى حائط الصد النهائى ضد محاولة اقتحام دورة المياة، إنت متخيل 300 واحد من ولاد عمنا بقالهم 3 أيام شغالين صرف فى مكان متر فى متر ما فيهوش ميه، مش عارف مسمينها دورة مياه ازاى !، ويقال والعهدة على الراوى أن من كل 100 فرد ممن يبتسم لهم الحظ ويسطيعون الوصول لداخل دورة المياه المزعومة هذه، يبقى على قيد الحياة منهم 30 على أكثر تقدير، وتعتبر نسبة ال 30% هذه نسبة مرضية إلى حد ما فى ظل هذه الظروف التى تمر بها البلاد، وتطمع حكومتنا الحالية فى الوصول بالنسبة إلى 32% لنتخطى أقرب دولة منافسة لنا وهى بنجلاديش، وتعرف هذه النسبة عالمياً بمعدل الأمان الإخراجى.
ونظراً لأن حكومتنا الرشيدة تعمل جاهدة على الإسراع بالوصول بهذه النسبة إلى تلك الموجودة بالبلاد المتقدمة، فقد أقدمت مؤخراً على خطوة تستحق الإشادة، فقد تعاقدت مع الحكومة اليابانية على تصنيع قطار المستقبل، هذا هو قطار القتل السريع، ويسميه عامة القوم إكسبريس كوارث، على وزن إكسبريس مراكز.
القطار يتكون من 4 عربات فقط، منهم عربة واحدة للركاب تسع 300 راكب جالس، 500 راكب واقف، و200 راكب نائم على الأرض، أما العربات الثلاث الباقية فهى، عربة مطافى مجهزة على أحدث مستوى، وتستطيع إطفاء أى حريق فى عربة الركاب فى مدة لا تتجاوز يوم واحد فقط، وعربة إسعاف مجهزة بغرفة عمليات حديثة، وبها كافة المعدات التكنولوجية، وطقم طبى على أعلى مستوى من التدريب، يستطيع تقديم كافة الخدمات الطبية العاجلة، وأبرزها القدرة على بتر 100 ذراع، و50 رجل فى مدة لا تتجاوز يومين بليلة، وعربة الإسعاف مزودة بغرفة إنعاش تستوعب 30 راكب من فئة الركاب الجالسين على سراير مريحة، بالإضافة إلى 50 راكب من فئة الركاب الواقفين، يتم تعليقهم فى السقف فى وضع الوقوف، أما فئة الركاب النائمين على الأرض فليس لهم مكان فى غرفة الإنعاش عشان دول بيفطسوا بدرى بدرى، والعربة الأخيرة مخصصة لدفن الموتى.
وعربة دفن الموتى مجهزة بمشرحة وتلاجة، وبعدد من المقابر يفوق إجمالى عدد الركاب، علشان سببين؛ السبب الأولانى معمول حساب طقم تشغيل القطر، والتانى معمول حساب الركاب اللى بيتشعبطوا واللى بيسطَّحوا فوق القطر، وكمان فى العربة مسجد وكنيسة لزوم الصلاة على المتوفيين، ده غير إسطبل علشان الخيول اللى بنشوفها فى جنازات المسيحيين.
على كل العربات بقى من بره شعار هيئة السكك الحديدية، بس بدل ما هو مكتوب (س.ح.م) ، إختصار سكك حديد مصر، مكتوب (م.ع.ح)، وده إختصار (الموت علينا حق). أما نظام ركوب القطر ده فهو دقيق جداً و مريح للجميع؛ يتم حجز التذاكر من فرع شركة مصر للتأمين من أى محطة سكة حديد، وده علشان التذكرة مؤمن عليها ضد الحوادث بجميع أنواعها؛ من الحريق إلى الغرق فى الترع والمصارف، بما فى ذلك الكوارث الطبيعية، فيما عدا حوادث الحروب، ويضاف لثمن التذكرة مصاريف العلاج بعربة الإسعاف بما لا يتجاوز 25% من قيمتها، وتخصم هذه المصاريف فى حالة الوفاة من مصاريف الجنازة وثمن المقبرة، ومصاريف ليلة العزاء إختيارية، يعنى لو الراكب اللى ح يموت عايز يتكفل بالمصاريف، يبقى يتصرف بمعرفته، ولو عايز السكة الحديد هى اللى تتصرف، يا دوب بس الراكب عليه اختيار الشيوخ اللى ح يقروا عليه، وأى مواصفات عايزها فى الفراشة، ولو الراكب مسيحى بيختار برضو بنفس الطريقة أسلوب العزاء المناسب له حسب مقدرته، يعنى هل مثلاً ح يكتفى بتلات إجواز الخيول اللى ح توفرهم هيئة السكة الحديد لجر النعش، والاّ ح يزود على حسابه كمان جوزين تلاتة، والاّ عايز يكمل باقى الدستة بحمير وبغال، ومصاريف النعى على حساب الراكب.
أهم خدمة متوفرة فى القطر ده هى إضافة مواعيد الحوادث ضمن إعلانات مواعيد القيام والوصول، ومواعيد الحوادث محددة بدقة أكثر بكثير من مواعيد القيام والوصول، يعنى يقول لك قيام 7.25 ص، ممكن القطر يقوم 7.25 م، أو ما يقومش من أساسه، ولا حتى يبعت حد يقوم بالواجب بداله، وممكن يقول لك وصول 9.30 ص، وتفضل مستنى قرايبك فى المحطة 3 أيام، وبعدين تعرف من الجرايد إنهم مش جايين خالص، لمّا تقرا نعيهم فى صفحة الوفيات، وتعرف يا عينى إنهم فلسعوا من الدنيا على أثر حادث أليم، لكن يقول لك 7.45 ص حريق، أو 8.52 م انقلاب، أو 12.03 خروج عن القضبان، يبقى لازم تضبط ساعتك على المواعيد دى، لأن ده شغل كومبيوتر مش هزار، ودى مصالح ناس، وظروف البلد صعبة ومش ناقصين عطلة.
أول ما تركب القطر بتيجى بنت زى القمر وعلى غرار مضيفات الطيران، تشاور على منافذ الهروب من القطر، وتعلِّمك كيفية استخدام قناع الأوكسيجين، وتقول لك ما تخافش لو حصل حريق، وفشلت المطافى فى السيطرة عليه ، إن ساعتها القطر بياخد ديله فى سنانه ودوغرى على أقرب فرع من النيل، أو ترعة، أو مصرف، أو حتى بركة مجارى، وتعلمك ازاى تستخدم سترة النجاة فى الحالة دى، وتنبه عليك ما تشربش ساعتها لأن ممكن الميه تكون ملوثة.
بعد كده بييجى شيخ وقسيس، ويعدّوا على راكب راكب، المسلم ينطّقوه الشهادتين، والمسيحى يستغفروا له الرب، ولو أى راكب له وصيّة شرعية، بيقول عليها، وبعدين المضيفة بتعدى تديك بطانية علشان لو ربنا كتب لك النجاة، ما تموتش من البرد فى الطلّ، وحتة قماش بيضا، مترين فى متر، تحطها على حجرك لزوم الكفن لو ربنا افتكرك، ومن حقك تغيّر لون القماشة وتختار لون أخضر، بس تدفع الفرق كاش، أو تكتب إقرار على نفسك، علشان ياخدوا حقهم من الورثة بعد وفاتك.
أهم حاجة فى القطر ده، قبل الحادثة بخمس دقائق بالظبط، السواق بينبِّه الركاب عن قرب ميعاد الحادثة، ونوعيتها، ويستمر فى التنويه لحين وقوع الحادث، مع استخدام جرس موسيقى جنائزى مصاحب مقتبس من أغنية الحادث للفنان هانى شاكر ، وهذا مثال لذلك :
(حضرات السادة الركاب، سوف نتعرض بإذن الله بعد خمسة دقائق لحادث تصادم مع القطار رقم كذا القائم من المكان الفلانى، والمتجه للمكان العلانى، والقادم على نفس القضبان، والذى تبلغ سرعته كذا كيلو متر / الساعة، الرجا الهدوء، وقراءة الفاتحة، وما تيسر من قصار سور القرآن الكريم، ونطق الشهادتين، وعلى السادة الركاب المسيحين سرعة تلاوة صلاواتهم الخاصة، وإنا لله وإنا إليه راجعون).
وبينطلق القطار إلى حال سبيله، ولما يحصل القضا، بيبدأ بقى الشغل على أصوله؛ الركاب المصابون، ينقلوا فوراً لعربة الإسعاف، ورجال المطافى والدفاع المدنى بعربة المطافى يبدأوا فى ممارسة عملهم، وعمال عربة دفن الموتى يبدأوا فى الاستعداد لاستقبال الركاب المتوفين.
مع وصول الراكب المتوفى لعربة الدفن، يبدأ تشريح الجثة إذا رأت النيابة ذلك، وتتم إجراءات الغسل والكفن وتشييع الجنازة والدفن آلياً، ويتولى القيام بأعمال تلقين المتوفى الردود على الملكين المنطوط بهما حساب القبر أكبر الكمسارية سناً، ثم تقام للمتوفى مراسم العزاء، ده بالنسبة للراكب اللى موصى بالدفن فى عربة دفن الموتى، أما بقى الراكب اللى مالوش مزاج يندفن فى القطر، ده بيكون محدد وهو بيقطع التذكرة ح يندفن فين، وبيمر الكمسارى ينبه على الركاب اللى موتهم تقيل، واللى ما سمعوش الإذاعية الداخلية فى القطر وهى بتعلن:
“حضرات السادة الركاب المتوفيين، سوف يصل القطار بإذن الله إلى محطة الإمام الشافعى بعد 10 دقائق، الرجا من الركاب المتوفين الراغبين فى الدفن الاستعداد للنزول، محطة الدفن التالية إنشاء الله ستكون فى البساتين، إنا لله وإنا إليه راجعون”.
ويتأكد الكمسارى أن المتوفى راكب من المحطة المذكورة فى التذكرة قبل السماح له بالنزول، وإلا ح يعرّض نفسه للمساءلة القانونية، وأبسطها إنه يتطوّق، وأشدها إنه يحرم من النزول للدفن، ويسيبوا جتته تعفن، وحلِّنى بقى على ما بال حد من أهليته يفتكره، ويقدر يتعرّف عليه. ولو وصل لأخر الخط وما حدش سأل عنه، بيدفنوه فى مقابر الصدقة، فى آخر صف فى مقابر عربة الدفن.
ويقال والعهدة على الراوى، أن الطراز القديم من هذا القطار، والموجود حالياً بمتحف السكة الحديد فى القاهرة، يحتوى على الكثير من الآثار القيمة القديمة، وأن عمليات التنقيب عنها أسفرت عن العثور على مومياءات فرعونية قديمة لعل أشهرها على الأطلاق مومياء الملك (سي.بن.سه)، الذى توفى فى حادث تصادم قطار منف مع قطار طيبة سنة 2013 ق م.
بقلم د/ قدرى نوار