الاهتمام والإهمال وأثرهما على الحياة الزوجية
بينما أنا جالس في بيتي أطالع صحيفة ما، إذ جاءني اتصال من أخي الأصغر، أجبت فإذا به يصرخ ويقول: “جد لي حلا سريعا، زوجتي لا تهتم بي، أعطيها ما تريد من المال، وأجلب لها ما تطلب، ومع هذا فهي لا تفعل لي أي شيء…”،
وفجأة سمعتها تصرخ هي الأخرى وتقول بصوت أقرب للبكاء: “إنه كاذب، أنا أفعل له ما يريد، أما هو فلا يهمه شيء سوى معدته…”، وظلا يتصارعان على الهاتف مما دفعني للانسحاب من هذه المعركة مؤقتا، وذلك بإغلاق الخط، ثم إغلاق الهاتف تماما. فكرت هنيهة أيهما صادق وأيهما كاذب؟
وما أثر الإهمال على الحياة الزوجية وما نتائجه؟ وهل يؤدي الاهتمام إلى استمرار الحياة الزوجية؟ الاهتمام عمود كل شيء،
وسبب رئيسي في نجاح أي عمل. فإذا نظرنا إلى حياتنا الواقعية فسنجد أن الشخص الذي يهتم بعلاقته بربه ويهتم بعمله وبيته هو شخص ناجح في حياته. وعلى النقيض فإن المهمل هو شخص غير ناجح، وكلنا نتذكر ما كان يقال للطالب الراسب من أنه مهمل لمذاكرته؛ فالاهتمام طريق ممهد للنجاح، والإهمال يودي إلى قيعان الفشل. والاهتمام مصدر الفعل “اهتم”، وهو اتجاه نفسي إلى تركيز الانتباه حول موضوع معين، وبدني إلى السير في هذا الموضوع بخطى ثابتة، قيل في المثل: “شر العيوب الاهتمام بعيوب الناس”، أي: الانشغال بعيوبهم، وأما الإهمال فهو مصدر الفعل “أهمل”، وهو ترك تحمل مسئولية ما ينبغي على المرء تحمله. وللاهتمام أنواع كثيرة، كاهتمام المرء بعلاقته بربه، واهتمام الزوج بزوجته، واهتمام الزوجة بزوجها، واهتمام العامل بعمله. وإن من أسمى أنواع الاهتمام وأقربها إلى حياتنا هو اهتمام الرجل بالمرأة، فلقد خلق الله الناس، وجعل منهم الذكر والأنثى، قال تعالى: “يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى”، ووضع في الرجال بعض الطبائع والصفات، كما وضع في النساء بعض الطبائع والصفات الأخرى؛ فالرجل غالبا شخص عملي، يفكر بعقله ويعمل بيده، لا يلتجئ للعاطفة إلا قليلا، في مقابل أن المرأة عاطفية تقدم عاطفتها على عقلها غالبا، بالإضافة إلى ضعف بنيتها، وفي الحديث: “اتقوا الله في النساء فإنهن خلقن من ضلع أعوج”. ومن المعلوم أن اختلاف الطبائع أمر لا مفر منه، يجب التعامل معه بفطنة وحذر، فإذا لم يحسن الرجل التعامل مع المرأة التي تختلف في طبائعها عنه؛ فستنشأ لديه مشاكل جمة تلازمه طوال حياته. وعاطفة المرأة أدت بها إلى كونها كائنا مرهف الحس، يفرح بالاهتمام ويحزن للإهمال، قيل في الحكم: “مخطئ من قال: إن التجاهل يجذب الأنثى، ويزيد تعلقها بك، فأكثر ما تحتقر المرأة التجاهل”. وللأسف فإن معظم الرجال في مجتمعنا يفشل في التعامل مع هذا الكائن، بحجة أنه منشغل بأعماله ولا وقت لديه للاهتمام، وهذا يسبب الكثير من المشاكل التي سنعرفها لاحقا. وقد قال أحد الحكماء: “الاهتمام مطلب لا يطلب”، وهذه هي المشكلة الأكبر؛ فالمرأة تحتاج للاهتمام، ولكنها تترفع عن طلبه، فلا تميل إلى إظهار ضعفها وحاجتها إلى من يهتم بها، فليس على الرجل أن يهتم بالمرأة فقط، بل عليه أن يشعر بحاجتها إلى الاهتمام؛ تحقيقا لقول القائل: “الاهتمام دون طلب يكون أجمل”، فالحاجة إلى الاهتمام مؤلمة، لكن طلبه يكون أكثر إيلاما. والزوجة أحق النساء بالاهتمام من قبل زوجها؛ فقد قال الله تعالى: “ومن ءاياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”. والمودة والرحمة تقتضيان حسن الاهتمام. ومن المؤسف أن بعض الرجال يعتز بأحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – التي تنص على وجوب طاعة الزوجة لزوجها وحرمة عصيانه، ناسين أو متناسين لحقوق الزوجة التي أوجبها الله وأوجبها رسوله، فالحياة الزوجية عطاء من الطرفين وكفاح مستمر. وسنكتفي هنا بذكر بعض الحقوق التي لا مفر للزوج من تأديتها لزوجته: – المعاشرة الطيبة: فينبغي على الزوج أن يعاشر زوجته بالحسنى حتى وإن لم يكن حبها يطغى على قلبه، قال تعالى: “وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا”، وفي الحديث: “ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم”. – النفقة والكسوة: فعلى الزوج أن يطعم زوجته ويكسوها بما يلائم حالها، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة”. – الحنان: فما أجمل أن يداعب الزوج زوجته ويغمرها باللطف والحنان، ويطعمها ويسقيها بيده، قال نبينا – صلى الله عليه وسلم -: “إن الرجل إذا سقى امرأته من الماء أجر”، وفي حديث آخر قال: “وأن يضع الرجل اللقمة في فم زوجته هي له صدقة”. – الاستماع إلى كلامها ورأيها ونصحها: فإن كثيرا من الرجال لا يعير لرأي زوجته أي اهتمام، ولا يستمع إلى توصياتها، مما يورث الغل لدى الزوجة، ويشعرها أنها غير مرغوب فيها. فإذا فعل الرجل هذه الأشياء فقد كسا زوجته ثوب الاهتمام، وأشعرها بأهمية وجودها، وإلا كانت العواقب وخيمة، وأعظم هذه العواقب الطلاق! وبعد يومين من مكالمة أخي الأولى كانت النتيجة الحتمية التي توقعتها؛ فقد اتصل بي أخي ليعلمني بخبر طلاقه من زوجته بسبب عدم الوفاق بينهما. وأنا في الحقيقة أعذرهما؛ فالطلاق نتيجة حتمية للإهمال وعدم الاهتمام، فلو غاب الاهتمام يصبح الرحيل واجبا، فكيف السبيل إلى الحياة مع شخص لا يشع قلبه بنور الحب، بل ويهدم قصور المحبة، يقال: “لا يهدم قصور المحبة إلا ثلاث: كثرة الخطأ، وكثرة العناد، وقلة الاهتمام”، ورغم اختلافي مع القائل في الشيئين الأوليين، إلا أنني أتفق معه في الشيء الثالث، وكم أتمنى أن يشعر الرجال بخطورته وأنه من أقصر السبل لإنهاء العلاقة الزوجية بالطلاق. ولا يتوقف الضرر الحاصل بسبب الإهمال عند حدود الطلاق؛ فكما أن الطلاق نهاية لعلاقة زوجية خلت من ظواهر الاهتمام، ومشاعر الدفء والحنان، فهو بداية لنهاية أسرة كاملة، فيتعرض الأطفال لعدم الاستقرار، ويصيرون مشردين في بعض الحالات، ويصاب الزوج بحالة نفسية سيئة كونه فشل في علاقته الزوجية، كما ينظر المجتمع – نظرة خاطئة – للمطلقة على أنها صيد سهل، كل ذلك يرجع إلى طلاق نتج عن إهمال وتفكك، وترك للمعاشرة الطيبة والمعاملة الحسنة. وهذا ما يؤثر بالسلب على مجتمعنا؛ فلا يخرج الجيل الذي نتمنى جميعا خروجه، والذي سيحمل على عاتقه حماية هذا الدين وهذا الوطن. وينشأ جيل لا يمثل سوى عالة على أرضه. كل ذلك بسبب نشوءه في بيت لم يكن للاستقرار فيه مكانا، ولا للدفء فيه موطنا. وقد آثرت أن أختم مقالي بتقديم بعض التوصيات والحلول العملية، والتي قد تسهل على الزوج مهمته في سبيل اهتمامه بزوجته: – الابتسام في وجهها: فللبسمة مفعول السحر لاسيما على المرأة، وفي الحديث: “تبسمك في وجه أخيك صدقة”، فما بالك إذا كانت زوجتك؟! – سؤالها عن حالها: عليك أن تسأل زوجتك: كيف حالك؟ ما أخبارك؟ هل أنت بخير؟ هذه الجمل رغم بساطتها إلا أن مفعولها كمفعول دواء قوي على المريض. – دعمها تشجيعها في ما تعمل: إذا رأيت زوجتك تقدم على عمل مفيد فلا تتوان عن تقديم العون المادي وكذلك المعنوي؛ فكلاهما مهمان بالنسبة لها، قل لها: أحسنت، استمر. – مدحها والثناء عليها: فعندما تفعل زوجتك شيئا جيدا ولو كان صغيرا امدحها وأثن عليها، وإن كان كبيرا فلا ضير أن تقيم لها حفلة تسعد روحها، وتقربها منك أكثر وأكثر. – إسماعها الإطراءات التي تحب أي مرأة سماعها: فالمرأة تحب أن تسمع بعض المقولات التي ترضي غرورها مثل: كم أنت جميلة اليوم، ما أطيب طعامك، ما أزكي عطرك…إلخ – مساعدتها في عمل البيت: وهو حق لها، ولكني آثرت وضعه في الحلول؛ لأن معظم الرجال يتحرجون عن مساعدة زوجاتهم في أعمال البيت، رغم أن الرسول كان في خدمة أهله، فما أجمل الاهتمام، وما أجمل أن تصبح شخصا ثمينا لدى أحدهم!