ألقت سعاد بجملتها الأخيرة بغير قصد منها ووقعت على كالصاعقة
ماذا تقصد تلك المرأة ؟ هل هى مجنونة؟ أم انها ترمى الى شىء لا أعرفه؟
وكأنها شعرت بالقنبلة التى ألقتها فوضعت يدها على فمها وفى عينيها تجمدت دموع الرعب حتى أننى أشفقت عليها فمددت يدى وربتت على كفها محاولة بث الطمأنينة فى قلبها
كنت الى تلك اللحظة غير مستوعبة جملتها الأخيرة ماذا تعنى بأنها لم تكن موجودة عندما مات مدحت ؟ أى مدحت تقصد ؟ بالطبع اختلط عليها الأمر من فرط ارتباكها هى تقصد سامح بالتأكيد
ولكننى مازلت متعجبة من خوفها المبالغ فيه هذا
هدأت سعاد قليلا فوجدتنى أسألها برفق حقيقى : ما الذى يخيفك الى هذا الحد يا سعاد ؟ صدقينى انا فقط أردت التحدث الى أحد فأنا وحيدة هنا كما تعلمين وعندما رأيتك ارتاح لك قلبى ووجدتنى أشعر بأننى اعرفك منذ زمن لذلك أريدك ان تهدئى وتخبريننى مما تخافين؟
نظرت لى سعاد والدموع تملأ عينيها وفتحت فمها لتقول شيئا ولكنها أغلقته مرة أخرى وانتفضت واقفة وهى تقول : هل تريدين شيئا اخر سيدتى لقد انتهيت من تنظيف المنزل وأريد ان انصرف قبل أن يحل الظلام أستأذنك سيدتى وأشكرك على الشاى
وقبل أن انطق بحرف كانت سعاد قد انطلقت خارجة وهى لا تلوى على شىء
جلست أفكر كثيرا فى أمر تلك المرأة وجملتها التى قالتها ولكننى لم أصل لأى تحليل سوى أنها التبس عليها الأمر وانها تقصد سامح وليس مدحت بالتأكيد ولكن ما زال خوفها وتوترها هذا يقلقنى ويثير فى نفسى تساؤلات كثيرة
وعندما عاد مدحت من عمله سألنى فور وصوله عن زوجة برعى وهل أجادت عملها ام لا ؟ وحاول بعدة طرق أن يستدرجنى فى الحديث كى يعلم ما تحدثنا به ولكننى قصدت التنويه عدة مرات أنها صموتة كالبكماء ولم تكن تنطق بحرف طوال أدائها لعملها ولمحت علامات الارتياح على وجهه فتيقنت من جديد انه يخفى شيئا يخشى أن اعلمه
مر اليوم كسابق الأيام لا جديد فيه الا أننى أصبحت أتجنب الحديث مع مدحت فى اى شىء يخص المنزل كان هدفى أن يطمئن تماما الى أننى نسيت كل مخاوفى وتساؤلاتى وذلك رغبة منى فى أن يأمن جانبى حتى أستطيع التفكير بهدوء
كنت أحلم كثيرا بنفس الكابوس السابق ولكننى لم أكن أحكى لمدحت بل وكنت أحاول جاهدة أن أبدو طبيعية وسعيدة باقامتى فى منزل الأسرة حتى تأكدت انه اطمأن تماما
فى اليوم التالى اقترح على مدحت أثناء تناولنا للفطور أن أقضى بعض الوقت على الشاطىء المقابل للمنزل من باب التغيير خاصة وانه قد يتأخر فى عمله اليوم أومأت برأسة موافقة
طبع قبلة الية على خدى وغادر لعمله ..حملت الصحون الفارغة للمطبخ وأنا شاردة .. لقد قال انه سيتغيب فى عمله اليوم الى ما قبل الغروب اذن فالفرصة أمامى سانحة (لأنكش)ابتسمت لنفسى قائلة :
فرصتك سانحة ايتها النكاشة ?ولكن قبل ذلك سأذهب للشاطىء استمتع بشمس الضحى الهادئة
حملت ابنتى بيد وعربتها و كرسيا خفيفا للشاطىء بيد أخرى وخرجت من المنزل للمرة الأولى منذ مجيئى الى هنا .. كان الشاطىء خاليا تقريبا الا من بعد الكراسى المتناثرة هنا وهناك
فردت المقعد القماشى الذى احمله ووضعت طفلتى فى عربتها واستلقيت على مقعدى مستمتعة بجو أكتوبر المعتدل وهواء البحر المنعش.. أغمضت عيناى استرخاءا وأنا أهز عربة لوجى بلطف
هل غفوت ؟ ربما .. لاننى افقت على صوتها الرنان هى تقول :
– هل تريدين معرفة طالعك ايتها الجميلة ؟
نظرت اليها بعينين نصف مغمضتين .. كانت امرأة من اولئك الغجريات اللواتى يزعمن قدرتهم على رؤية المستقبل من خلال بعض الصدفات والقواقع او كما يسمونهم (ضاربى الودع)ولكنها كانت مليحة الوجه بعكس ملامح الأخريات الغجرية الحادة
وجدتنى ابتسم فى وجهها واعتدل جالسة ..وجدت الأمر مسليا .. ألقيت اليها بقطعة نقود معدنية فافترشت الرمال أمامى وبسطت منديلا مزركشا به عدة صدفات غريبة الشكل أخذت تقلب فيهم ثم ظهر على وجهها خوفا مصطنع وهى تقول : طالعك مظلم ايتها الشابة وسماؤك ملبدة بالغيوم ..تبحثين عن شىء خطير قد تكون فيه نجاتك او هلاكك ..أصغيت لها باهتمام بعد ماكان الأمر مجرد لعبة
واصلت حديثها قائلة : محتارة كلك شوق .. والحل فى الصندوق
عميانة عينك تحت.. بصى بقا على فوق
وغمزت بعينها مشيرة برأسها الى المنزل من خلفى
استدرت بحركة لا ارادية تجاه المنزل ورفعت عيناى الى الطابق الثانى
لألمح خيالا من خلف النافذة .
يتبع،،،