كانت الشمس قد ملأت المكان معلنة عن بدء يوم جديد…
في حماس أزاحت هند قفل باب محل الورد الخاص بها وعلامات السعادة تغزو ملامحها .. كان لسان حالها ينطق بأنه يوم عمل جديد، لكنه ليس ككل الأيام .. فالفالنتين أو «عيد العشاق» اليوم وعليها أن تستعد بكل طاقتها لذلك اليوم المرهق السعيد .. وكانت تنتظر اليوم صديقتها (حبيبة)، حيث سألتها القدوم لمساعدتها، فقد كان ذلك أول عيد للعشاق يمر عليها بعد تحقيقها لحلمها .. محل الورود .. كوخ صغير زجاجي، يمتلئ ورودا بكل الألوان .. تنعش روحها كل صباح .. وتملأ قلبها بالرضا والسعادة .. تتبادلان هي والورود الحب والرعاية وربما طبطبة الأرواح.
دلفت هند للمحل، ملقية نظرة سعيدة واسعة على الترتيبات والديكورات المبهجة التي كانت قد انتهت منها هي وعُمر الشاب الطيب الذي يعمل معها منذ افتتحت المكان .. نظرت لساعتها فوجدتها السابعة والنصف، حيث تبقى لديها من الوقت ساعة، حتى يحضر عمر ويبدأ اليوم الكبير.
وضعت حقيبتها على مكتبها، وتوجهت للمطبخ الصغير لتحضير القهوة الخاصة بها محدثة نفسها: «قهوتي والشوكليت ونص ساعة وأبقى جاهزة تماماً».
ثم ابتسمت في سخرية: «فالنتين بدون فالنتين هاهاها .. السنة دي أنا حساعدهم يحتفلوا وحتفرج وبس أنا pass نياهاااا»
لحظات مرت .. حتى بدأت قطرات القهوة في التساقط من ماكينة القهوة الخاصة بها، مثيرة في نفسها بهجة وانتعاش برائحتها المميزة .. في اشتهاء حملت قدحها الكبير بقهوته الغنية وتوجهت لمكتبها فوضعته ثم التقطت الريموت الخاص بالنظام الصوتي وشرعت في تشغيل قائمة الأغاني التي قد أعدها (عمر) للفالنتين محدثة نفسها: «ورينا يا سي عمر حضرتلنا ايه» .. وضعت الريموت جانبا ملتقطة الشيكولاتة الخاصة بها، وما ان قضمت قضمتها الاولى حتى انبعث من السماعات صوت طلعت زين يملأ المكان (what can I do? What can I say ? just a word .. happy valentine to you) .. علت ابتسامة سعيدة وجهها وهي تستمع للأغنية وسط الديكور المبهج وقهوتها والشيكولاتة .. ثم ما لبثت أن عقدت حاجبيها في ضيق لدي رؤيتها لأحدهم يعبر الطريق باتجاهها قائلة: «يييييييه .. تااااني أخينا ده؟! تلات أيام يا ربي بييجي وينقي ويستشيرني ويسأل أسئلة كتير ويمشي بعدها وانا مش عايزة ابقى قليلة الذوق معاه أو اخسر زبون .. بس سوري بقى النهاردة يوم مزحوم لوحده مش ناقصة حد متردد ولا جاي يتسلى أصلا سوري».
عبر الشاب الطريق حتى وصل لمحل هند .. كان مظهره بسيطاً أنيقاً بحلته الرسمية ورباطة عنقه المُحكمة .. دلف للمحل متجاهلاً لافتة (مغلق) التي لا زالت تتصدر الباب الخارجي.
– صباح الخير
– حضرتك احنا لسه مشتغلناش
– الحقيقة انا عندي شغل وماصدقت لقيتك موجودة بدري .. انا بشتغل في البنك اللي في المبنى اللي قدامك ده.
– سألتني عن كل الورود والشيكولاتة المقترحة لبوكيه الفالنتين والألوان واللفة .. خير نسيت تسأل عن حاجة كمان؟!
– لا .. أنااااا
– نعم؟
– عايز الورد .. ممكن تعمليلي البوكيه بقى .. اسف لو كنت أزعجتك كده الايام الي فاتت.
– في حرج أجابته: ابدا .. أعمله دلوقتي يعني؟
– آه اعملي البوكيه على ذوقك زي ما كنتي بتقترحي عليا بالضبط .. ورد احمر جواه بيبي فلاور وشيكولاتة ستيكس في النص وفيونكة روز شيفون كبيرة وبالونة مربوطة فيه.
– بنفاذ صبر أجابته هند: حاضر .. ثم شرعت في استكمال قهوتها وهي تقوم بتجهيز البوكيه الخاص بالشاب في دقائق معدودة بعجل واحترافية وهو يراقبها في هدوء وربما انبهار.
– شكلك بتحبي شغلك اوي.
– بحب الورد ده حقيقي.
– انا بعدي كل يوم من هنا وبشوفك وسط الورد وو….
– البوكيه تمام .. اتفضل الكارت اكتب عليه لو تحب تقولي الاسم عشان ادبسه في البوكيه.
– ااااااااا
– نعم
– هو الحقيقة سيبي الاسم فاضي.
– فاضي؟! محدثة نفسها: ده جاي يهزر بقى.
– تصوري .. انا معرفش اسمك.
ترمقه هند بنظرة متساءلة….
– كنت عايز اشكرك .. انتي فنانة بجد ووو….
– مقاطعة: هند .. اسمي هند.
– هو انتي على طول سريعة كده يا هند؟
– سريعة؟!
– في الشغل يعني .. عملتيه بسرعة اوي.
– حضرتك انا معنديش وقت الحقيقة لنص ساعة رغي مع كل عميل كده مش حنخلص .. اتفضل البوكيه.
– ااااا .. طيب شكرا يا هند .. تسلم ايدك.
– العفو .. مع السلامة.
في بطء تحرك الشاب خارجا من المحل حاملاً الورود وهي تتابعه بنظرها.
بعد يوم حافل بالعمل والاجهاد الكبير .. ودعت هند آخرعميل وعميلة زاروها حيث كانا شاب وفتاة، قرر الشاب إحضار فتاته لتنتقي الورد بنفسها .. ابتعد الشاب والفتاة وتنهدت هند في هيام وهي تراقبهم حتى جاءها صوت حبيبية لينتزعها من تأملاتها: «يا جمال الحب ويا عيني عالحب هااااح اوعدنا يارب».
التفتت اليها هند ضاحكة، فأردفت حبيبة: «تفتكري الوردة أهم ولا الهدية أهم ولا الكلام أهم؟».
قاطعتها هند: «الحب بجد أهم .. الوردة تعبير عن الحب يا حبيبة مش أكتر .. احنا حياتنا جافة أوي .. جافة بشكل صعب يتوصف .. بشكل بينسينا أحيانا ان احنا ستات ورجالة محتاجين نحب ونعبر عن الحب .. ده يوم حسيت فيه ان الناس بتتلكك عشان تلاقي سبب تعبر فيه عن حبها مع انهم مش محتاجين سبب .. دي فطرة .. الناس بتخاف تعبر عن حبها يا بنتى او بتنسى او بتكسل .. متعرفيش مالهم .. مشفتيش انتي عميل اخد بوكيه صغير بيقولي عشان احطه في كيس هدايا كبير والجيران ميشوفوهوش انا عادى امشي في شارعنا شايل كيس بامبرز بس مشيلش بوكيه ورد! .. عارفة؟ .. أنا عملت فاوشر هدية لكل حد اشترى مني النهاردة عشان ييجي تاني وميستخسرش شوية جمال في حياته».
– وانتي يا ست هند .. لما تحبي .. حتبقى عايزة ورد برضه؟
– طبعاااا انا فاتحة المحل اصلا ليا ههههههههههه .. وللناس برضه.
– تعيش هند نصيرة الورد والحب هههههه .. بقولك ايه أنا خلااااص تعبت ..اإحنا حنعمل إيه بعد كده؟ .. تيجي نخرج نتعشى؟
– لا مش قادرة أنا مرهقة أوي .. تعالي عندي البيت ونطلب ديليفري.
– اوك يلا بينا .. بس متنسيش ناخد الشوكليت بوكس اللي عملته لبنت اخويا دي حتفرح بيه أوي.
– لا فاكرة .. يا عمر .. عمر .. خد البوكس ده وحطه في عربيتي وقفل يلا انت تعبت معايا النهاردة.
– حاضر يا آنسة هند.
يخرج عمر من المحل حاملا أشياء هند وحبيبة ويغيب دقائق قليلة … إلا أنه يعود وعلى وجهه ابتسامة حائرة!
– ايه ياعمر فيه حاجة؟
– آآآآآ .. هو حضرتك ممكن تخرجي تشوفي العربية؟
– مالها عربيتي؟!!!
تتحرك هند سريعا باتجاه الخارج لسيارتها .. لكنها تتجمد مكانها بمجرد وقوع نظرها على السيارة .. إذ تجد بوكيه الورد الذي صنعته بيدها صباحا موضوعا على الصندوق الأمامي .. يتوسطه مظروف أبيض صغير .. تقوم هند بفتحه فتقرأ: «هند .. اسمها هند .. قصدي البوكيه ليكي في الحقيقة .. من ساعة ما فتحتي محلك قدام البنك، وانا بشوفك كل يوم وسط الورد .. كنت بحسه مكانك الطبيعي .. يعني وردة جميلة وسط محل ورد .. حاولت اتكلم معاكي كتير بس مكنتش عارف أبتدي منين .. بس النهاردة عرفت حبتدي منين .. إقبلي مني أجمل ورد اتعمل بأرق ذوق .. واسمحيلي أتكلم معاكي شوية».
حملقت هند بالخطاب وبالورود في دهشة وارتباك ونظرت مكان التوقيع الذي كُتبت به نقاط فارغة فرفعت رأسها لتجد الشاب أمامها يمد كفه بود راغباً مصافحتها بإبتسامة خجولة متمتماً: «خالد .. أنا خالد».
❤️❤️❤️❤️
#منى_عبد_العزيز
إلى اللقاء في الجزء الثاني…