خلف النوافذ والأبواب تختبئ الحكايات .. وفي الطرقات تتعثر في وجوه تحاكيك وتحاكيها، ليقع قلمك في أسرها، لا يعتق، إلا برصد تفاصيلها على الورق في قصة أو أبيات شعر أو رواية، وقد يظل قلمك في أسرها إلى ما لا نهاية، من هنا بدأت تتشكل معالم «ملتقى الإدريسي الثقافي» رافعًا شعار «دع قلمك يبدع»، في رحلة عبر الإنسان وخريطة ملامحه، وشتات الحكايات فيها، مشكلاته ومواطن تعثر خطواته وانتصارتها.
نبذة عن ملتقى الإدريسي الثقافي:
بدأ الملتقى رحلته عبر المحافظات في رحلة عبر الزمن فيما بين عامي 2014 – 2018، كانت البداية من محافظة القاهرة مرورا بمحافظة الدقهلية ودمياط وكفر الشيخ لتكون أخر رحلات الملتقى في محافظة الإسكندرية، بحضور عدد من المبدعين الشبان في مجالي القصة القصيرة والشعر، وبرعاية الرموز الأدبية من أبناء كل محافظة، لإسداء الملاحظات، ليكتمل معالم الإبداع الأدبي من موهبة وحسن توجيه.
«ملتقى الإدريسي الثقافي» في ضيافة محافظة الإسكندرية:
أقام الملتقى نشاطة السنوي في محافظة الإسكندرية، بحضور عدد من الرموز الأدبية للمحافظة في ضيافة الكاتب الساخر عادل إدريس المسلمي، كان أبرزهم شيخ الشعراء محجوب موسى، والذي تناول بحور الشعر وعلم العروض، واستدل على ذلك بمطلع من قصيدة «إرادة حياه» لأبي قاسم الشابي، وكذلك معلقة «أمرؤ القيس»، وفي مجال القصة كان الأديب محمد عبد الوارث، والذي تحدث عن فن القصة القصيرة وأهم ملامحها واستعرض نماذج لأبرز كُتاب القصة القصيرة، هنا بدأ سؤال يطرح نفسه حول حقيقة «تداخل الأجناس الأدبية» ليضيف المسلمي بأن القصة القصيرة مبتدأها شعرًا، حتى بدأت تتكون القصة القصيرة بمعالمها التى هي على شاكلتها الآن.
قراءات إبداعية في نصوص شبابية:
«الإسكندرية» حاضرة في قصائدهم، كان الاستهلال بالشاعرة نهلة عبد العزيز السحلي، وقصيدة «أحكي يا بحر» والشاعر وليد المصري، وقصيدة «في قلبي شعر» المتأمل للقصيدتين تلمح معالم المكان واضحة ففي احكي يا بحر، جاء وصف الإسكندرية:
احكى يا بحر عن بنتك بنت الشمس ..
من زمن الاسكندر ..
لما كان العود اخضر ..
وزينها تاج للراس ..
وجملها بكام نبراس ..
ومسرح للغنى عالى ..
وعامود سوارى .. وحماها بقلعة .. وجنود حراس.
ويرد وليد المصري:
يا ابو قلب بيوت ..
بتجمّع فيه الوان الطيف واصحابك ..
ترسموا ايام غير الايام و تصلوا ..
يصلى بيكوا الحب امام ..
سيدى القبارى بيدعيلك و قلبى المنسى فى كرموز..
على قمة شارع الاسناوى .. او شارع المكس ..
ترماى ١٠ توصلهم لمحطة مصر ..
يركبوا قُطرات جوا جراب الشعر فى قلبك.
ليأخذنا يحيى خليفة، في «ساعة السفر» إلى حالة إبداعية راقية، بأكروبات الحرف بين الحب والحرب، ودقة القلب ودقة طبول الحرب، ليغدوا القرب قنبلة موقوته يشدوا يحيى بالكلمات قائلًا:
اللقا قنبلة موقوتة ..
بين صدرك وصدري ..
قربت تنفجر يلا نجري ..
الحضن خندق من حرير ..
بيساعنا وسط المعركة ..
والرقص عالألغام بيفجر الدهشة .. فتحملنا نطير.
لتمضي شيماء أبو سمرة، معنا «عقود الوهم»، تقول في قصيدتها:
انا اللى الدنيا لفتنى ومضتنى عقود الوهم ..
وانا ببصم وبالعشرة ..
بانك منتهى العشرة ..
خيالك شهم ..
انا مش قافيه فالتيمة ..
ولا ف خمسينتى تلئيمة ..
ولا فى الشعر تقديمة ..
ولا فى الركعة تسليمة..
انا طيبتى بتوجعنى ..
انا طيبتى بلا قيمة.
لتلقي في مسامعنا قصيدة «حالة زهق»:
وهل مسموحلى بالرقصة؟
وهمسة صارخة من جوة ..
انا موافقة ..
انا عاشقة ..
انا بحبك كسبت الوقت ..
انا انت خلاص صدقت.
لتختتم نرمين السيد بلال، بخاطرة «السكة عكس»، معبرة فيها عن الأحلام المهدورة والأمل المبتور من جسد الواقع.
ترتدي نرمين ثوب الناصح فتقول:
لو مجابتش اي نتيجة ..
حط بدلها خطة بديلة ..
مهما قابلك من جبال ..
وهدها كان من المحال ..
لف غير الاتجاه ..
مش هتقف الحياه ..
خلي دايماً ذهنك واعي ..
وعلى افكارك حافظ راعي.
الإنسانية تتجلى في حكاية:
بسرد إبداعي هادئ تأخذنا، فاطمة برجي، في «زائر ثقيل»، لحالة إنسانية لامست الروح، بزائر يصطحب عزيز لديك، يمهله لحظة ليودع، ويرحل به، محلقً به لحياه أخرى، يودع أحباب ويستقبله أحباب أخرون.
لتأخذنا أمينة الزغبي، في «رقصة الخريف»، إلى حالة أخرى تتبدل فيها الملامح وتتساقط فيها زهرة الشباب، تفشل الصبغات وأدوات التجميل أمام تفنن الزمن في رسم خطوطه لتعلن في النهاية: ألا ليت الشباب يعود يوما .. فأخبره بما فعل المشيب.
نطل على «نوافذ» لـ«مصر العربي»، كان أبرز ملامحها جمال السرد، وجرأة الفكرة في حد ذاتها.
لتنقلنا إيمان المهدي، في «نقطة ومن أول الصبر» إلى مشهد قد تراه أو قد تعيشه بنفسك، كراكيب حياتية تضج بالحياه تمنح الحياة مذاقها.
وفي إطار فلسفي ونظرة مختلفة، خرجت هبة مجدي، بـ«إضاءة مبتذلة»، حالة من الألوان وأصوات موسيقى الروك تتناثر من جنبات النص، وصلات مبهجة تزيد النص إشراقًا، لتأتي بخاتمة تحلق بها خارج حدود النص.
في ذات الإطار الفلسفي تدخل، إسراء هيبة، شبه ظل أسطورة الرجل الذي يبحث عن ظله في الملاهي الليلية والبارات، يبلغ الشرطة عن فقده، تجيبه، لم يمر 24 ساعة، لينشئ الصراع بينهم.
ليكون الختام بقصص كانت الكوميديا عنوانها، نهى عاصم، «مختصر قواعد تطفيش الأربعون، كيف تطفشين عريسا؟» يغلب على أجواء القصة الجانب الساخر، لتنتهي بينا الكاتبة إلى أن القصة من بنات أفكارها ولم يحدث منها شيء.
لتأخذنا سحر النحاس في «بزازة للننه»، لعالم الرجل الفضولي المتابع الجيد لأخبار الجيران والمتعايش مع مشكلاتهم اليومية.
وفي الأخير، عرض جدو ماهر، قصة «عالمي»، والتي وصفها بأنها تسمع ولا تقرأ تأخذنا لجو الريف المصري والكُُتاب، ناهيًا إياها بيمين مغلظ برأس جده الكبير بأن لن يخرج أخرى من البيت.
واختتم اللقاء بتكريم المشاركين بشهادات تقدير ودروع تكريم باسم الملتقى تقديرًا لإبداعهم.
سعاد محمد